• الإثنين , 23 ديسمبر 2024

“التعفيش” المنظم… انتقام يضاعف كلفة الترميم على المهجرين السوريين

عدنان أحمد العربي الجديد:29/10/2022

اعتاد السوريون على سماع أخبار عمليات السرقة والنهب التي تقوم بها قوات النظام، والمليشيات المرتبطة بها، بعد سيطرتها على إحدى المناطق التي كانت بيد المعارضة، وهو ما اصطلحوا على تسميته بـ”التعفيش”، الذي يعتبر السمة الأبرز لسلوك النظام وقواته بحق السوريين.

وهذا المصطلح، ومصدره في العامية السورية من “عفش البيت”، أي الأثاث المنزلي، وكل ما يتصل به من أدوات وتجهيزات في المنازل والمحال التجارية والمصانع، بات الرمز المختصر لأعمال السرقة والنهب العشوائي، أو الممنهج، لممتلكات المدنيين من جانب عناصر قوات النظام والمليشيات التي تساندها، خاصة في المناطق التي ثارت على النظام.

غير أن المدنيين الذين عادوا إلى مناطقهم ومنازلهم، بعد سنوات من إعادة قوات النظام السيطرة عليها، لاحظوا تضاعف حجم الخراب والتدمير لبيوتهم وممتلكاتهم، قياساً لما كان عليه الوضع خلال زياراتهم الأولى إلى مناطقهم بعد استعادتها من قوات النظام، أو مقارنة بلقطات فيديو التقطها بعض المعارف بعد سقوط المنطقة بيد قوات النظام مباشرة، ما يشير إلى تعرضها لإعادة تدمير.

انتقام مقصود من المعارضين

وتذهب تفسيرات إلى أن السبب الأول هو الانتقام من بعض الأشخاص الذين كان لهم دور بارز في مناهضة النظام خلال خضوع المنطقة لسيطرة المعارضة، حيث تم إحراق بيوتهم وتخريبها، كما حصل في الغوطة وجنوبي دمشق والعديد من المناطق الأخرى. أما السبب الثاني، فهو عمليات “التعفيش” التي طاولت مجمل البيوت بلا استثناء.

وهذه عملية تتولاها قوات النظام مباشرة بعد السيطرة على كل منطقة، أو تتركها إلى “القوات الرديفة” إذا كان لديها مهام مستعجلة في منطقة أخرى.وتتقاسم “القوات الرديفة”، وهي خليط من المليشيات المحلية وخاصة التابعة إلى “الدفاع الوطني”، المنطقة المستهدفة فيما بينها، بحيث لا ينجو بيت واحد من النهب، ويشمل ذلك كل شيء، من أدوات كهربائية الى الأثاث، وكل ما يمكن حمله.

غير أن المرحلة الأخطر تأتي بعد ذلك، أي حين يتم استهداف “البنى التحتية” للمنزل أو المحل التجاري، بحثاً عن الحديد في الأسقف والأعمدة، إضافة إلى الأبواب والنوافذ والمطابخ وتجهيزات الحمام، ما يضاعف تكاليف عمليات الترميم التي تقع بالكامل على عاتق أصحاب المنزل، دون أية مساعدة من حكومة النظام.

وقال أبو علي شاهين، المقيم حالياً في منطقة السبينة بريف دمشق الجنوبي، إنه زار منزله في منطقة الحجر الأسود المجاورة منذ 3 أعوام، أي بعد أشهر قليلة من سيطرة قوات النظام عليها. وأشار إلى أنه وثق زيارته بلقطات فيديو صورها بواسطة هاتفه الجوال، حيث كانت قد سقطت قذيفة على سطح المنزل، ما أدى إلى تهدمه جزئياً، بينما كانت هناك فتحات في بعض الجدران الداخلية في الطابق الأول، فضلاً عن سرقة كل موجودات البيت تقريباً.

وأضاف أبو علي، في حديثه مع “العربي الجديد”، أنه بعد الإعلانات المتكررة من جانب السلطات عن السماح بعودة الأهالي إلى المنطقة، ضمن بعض الشروط والإجراءات، قدم طلباً للعودة وهو ينتظر الموافقة الأمنية.

وأوضح أنه أراد زيارة منزله لتقدير حجم الإصلاحات المطلوبة وتكلفتها، ففوجئ بتعرضه إلى تدمير إضافي، حيث تم نزع كل الأبواب والنوافذ وتجهيزات المطبخ والحمام، وحتى أشرطة الكهرباء داخل الجدران، وكذلك مواسير المياه.

وأشار مواطن آخر اكتفى بالتعريف عن نفسه بأحمد. ص. إلى أن والده زار منزلهم في منطقة مخيم اليرموك للمشاركة في دفن أحد الأقارب.

ونقل عنه قوله إنه شاهد الشاحنات الكبيرة التي تخرج من المخيم محملة بكل شيء، بينما تنهمك ورش الهدم في استخراج حديد الأسقف والأعمدة، ويعمل أشخاص في فرز الحديد والبلاستيك والأدوات المستعملة المتبقية بعد موجات “التعفيش” السابقة. وأوضح أن هؤلاء يعملون عند أحد المتعهدين، الذي يتولى منطقة محددة مقابل مبلغ يُدفع لقوات النظام.

ونقل عن والده قوله إنهم لم يجدوا الكثير من شواهد القبور، كما سمع قصصاً عن مقتل العديد من الأشخاص وهم يحاولون التصدي لـ”المعفشين”.

وكما حدث في جنوب دمشق، تكررت هذه العمليات في الغوطة الشرقية، حيث فتحت خطوط تعمل على مدار الساعة لنقل كل شيء يمكن سرقته من مدن الغوطة بعد تهجير أهلها عام 2018 إلى ضاحية الأسد، التي يقيم فيها موالون للنظام، بالإضافة إلى منطقة جرمانا.

وكانت قوات النظام منعت الأهالي من العودة إلى منازلهم إلى أن انتهت من نهب بلداتهم بالكامل بعد أشهر من سيطرتها عليها.

ولاحظ أوائل العائدين حجم التدمير الإضافي الذي لحق بممتلكاتهم، فيما واصلت الأجهزة الأمنية ملاحقتهم لمعرفة مدى ارتباط العائدين بفصائل المعارضة السابقة، ومصادرة ممتلكات تعود لمعارضين، حيث كتب على جدرانها “مصادر” مع ذكر الفرع الأمني المصادر لصالحه.

النهب جزء من الدخل الشهري

ووفق تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، نهاية مارس/ آذار الماضي، تناول عمليات النهب الواسعة في محافظة إدلب وما حولها، فإن تلك العمليات لا يمكن أن تنفذ من دون انتباه قادة جيش النظام والقوات الروسية.

وأشار إلى أن هذا النهب جزء من الدخل الشهري للقوات التابعة للنظام وإيران وروسيا. وذكر أن عمليات بيع الممتلكات تحدث بشكل علني في مناطق يسيطر عليها النظام.

وأكد رئيس الشبكة فضل عبد الغني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن عمليات النهب تحولت إلى عمل منظم في المناطق التي تم تهجير سكانها، بدءاً من حمص في عام 2012، وخاصة بعض مناطقها التي شهدت مجازر، مروراً بمحافظتي إدلب وحلب وريفهما وصولاً إلى الغوطة الشرقية وجنوبي دمشق ودرعا، والعديد من المناطق شرقي البلاد.

وذكر تقرير للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، صادر في عام 2020، أن سرقة المنشآت، والآليات الزراعية والمنازل، وحتى المؤسسات الحكومية والبنى التحتية لاستخراج النحاس، أرجعت بلدات بأكملها إلى حالة ما قبل الإكساء، ما يفاقم من خسائر الحرب الاقتصادية، ويرفع من تكلفة إعادة الإعمار المستقبلية.

تشجيع على الانضمام للقوات الرديفةورأى الناشط محمد الأحمد، من ريف دمشق، أن قوات النظام تنظم عمليات النهب كمكافأة لعناصرها وبغية تشجيع المجرمين واللصوص على الانضمام لما يسمى بـ”القوات الرديفة” التي تتولى عادة هذه العمليات.

وأوضح الأحمد، في حديث مع “العربي الجديد”، أن أغلب المليشيات تسدّد رواتب عناصرها من عائدات “التعفيش” والابتزاز التي تقوم بها بحق المدنيين، وعندما تراجعت عمليات “التعفيش”، انفرط عقد العديد من هذه المليشيات.

وأشار إلى أن كبار اللصوص، الذين ينهبون المعامل والمنشآت والمعدات الثقيلة، خارج المحاسبة، لأنهم هم “الدولة”، كما يسمون أنفسهم، مثل قائد قوات “النمر” العميد سهيل الحسن وقائد “الفرقة الرابعة” ماهر الأسد.

ولفت إلى أنه على سبيل المثال، تتولى “الشركة السورية للنحاس والمعادن”، ومقرها في المزة، وتتبع لمحمد حمشو واجهة ماهر الأسد، شراء النحاس المسروق من أمراء الحرب، حيث يقوم موظفوها الذين يرتدون لباساً عسكرياً ويحملون أسلحة بتنظيم عمليات النقل والوزن والدفع، التي تجرى بين المناطق المنهوبة ومعمل حمشو للحديد في عدرا، شرقي دمشق.

مقالات ذات صلة

USA