• الأحد , 22 ديسمبر 2024

النظام السوري وتيارا «المستقبل» الكردي واللبناني

مقال للكاتب حواس محمود في جريدة المستقبل اللبنانية 29مايو 2015 بعنوان النظام السوري وتيارا «المستقبل» الكردي واللبناني

حواس محمود

ربما من سخرية الأقدار ومصادفاتها العجيبة انه عندما اختار الشهيد مشعل التمو اسم تيار المستقبل الكردي لحزبه الذي تم تشكيله عام (2005) بعد الانتفاضة الكردية العارمة في 12 آذار 2004 علق احد المتابعين الكرد قائلاً «إن النظام السوري – وأتباعه في لبنان – الذي قام بتصفية رفيق الحريري قد يلجأ إلى تصفية مشعل التمو لأنه مستاء من تيار المستقبل اللبناني، لذا فهو لن يترك تيار المستقبل الكردي هانئاً قرير البال وإن اختيار التمو لتسمية حزبه (تيار المستقبل) سيزعج السلطة كثيراً».وتمر الأيام والشهور والسنين ويعتقل التمو عام 2008 ومن ثم تنطلق الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011 ويطلق سراحه ويقود التمو حزبه ويحرّك الشباب الكردي ضد النظام ويحصل على شعبية واسعة كردياً وسورياً فيخشى منه ومن تياره النظام السوري فيغتاله في وضح النهار في 7/10/2011 في أوج الثورة السورية ولجة احتدامها. ما هي خطوط التماثل بين تياري المستقبل اللبناني والكردي السوري؟، السمة العامة للتيارين هي معارضة النظام بقوة والاعتدال في الخط السياسي والمدنية والمرونة في التمثيل السياسي والأيديولوجي للأعضاء المنتسبين إليهما، فتيار المستقبل الكردي تيار ديموقراطي في بعده القومي الكردي وبعده الوطني السوري العام لرفع الظلم عن كاهل الشعب الكردي ورفع القمع وحملات النظام ضد الناشطين ومناخ الاستبداد السوري المزمن والتنظير لسوريا مستقبلية تعددية ديموقراطية من دون تمييز أو قهر أو ظلم أو إقصاء لأي فئة أو قومية أو جماعة أو مكون قومي أو ديني أو اجتماعي.

بعد الإفراج عنه من السجن على اثر انطلاق الثورة السورية المجيدة بفعل الحراك الشعبي العارم في سوريا أعلن مشعل التمو تأييده للحراك الشبابي الكردي في سوريا وللثورة السورية عموماً وانضم إلى المتظاهرين بحماسة منقطعة النظير وخطب بهم أيام الجمعة بعد الانطلاق من جامع قاسمو بالقامشلي فأصبح رمزاً كبيراً من رموز الثورة السورية وقائداً كردياً للشعب الكردي، رفض بشدة مسألة الحوار مع النظام السوري وانتقد بشدة الأحزاب الكردية التقليدية ذات التفكير البراغماتي غير الثوري وربما المساوم مع النظام، وبعد أن وجد النظام أنه شكل خطراً عليه وكما ذكرنا تم اغتياله في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، بحادثة شكلت صدمة كبيرة للجمهور الكردي كما والثوري السوري عموماً أما تيار المستقبل اللبناني بقيادة رفيق الحريري فكان موقفه هو الرفض القاطع لهيمنة النظام السوري على مقدرات الشعب اللبناني والإيمان بلبنان ديموقراطي حر ودولة مستقلة ذات سيادة بعيداً عن الوصاية الأمنية السورية أو أي هيمنة فئوية داخلية على مقدرات النظام الديموقراطي بلبنان. فتيار المستقبل اللبناني «هو تيار سياسي، يتبنى مشروع بناء دولة مدنية في لبنان. والدولة المدنية مفهوم أنتجه سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين. يقوم على الاعتراف بخصوصية المكونات المجتمعية اللبنانية على أن تحفظ من خلال مجلس للشيوخ. وهذا ما يميزه عن مفهوم الدولة العَلمانية (من العالم) أيEtat Seculier

. والدولة العِلمانية (من العِلم) أي Etat Laiique التي تقوم على أساس فصل الدين عن الدولة.وإلى جانب مجلس الشيوخ، تقوم الدولة المدنية على إنشاء مجلس نيابي منتخب من الشعب اللبناني بدون قيد طائفي.إنه فعل اعتراف بالخاص الثقافي اللبناني في إطار انتمائه للمشترك الثقافي العالمي.

فالديموقراطية، بما هي مشترك ثقافي عالمي، متحققة من خلال تكوين مجلس نيابي منتخب من قبل الشعب اللبناني.وتكوين مجلس شيوخ للمكونات المجتمعية اللبنانية هو تجسيدٌ لمراعاة الخاص الثقافي اللبناني.أما البيئة الحاضنة لمشروع بناء الدولة المدنية في لبنان، فتتشكل من تعايش بنى مجتمعية تقليدية، تقوم على ولاءات أولية (العائلات، الطوائف وغيرها) وبنى مجتمعية حديثة تقوم على انتماءات حديثة التي تشكل المواطنة أحد أبرز تمثلاتها«.

خطط النظام السوري لاغتيال رفيق الحريري باعتباره شخصية سنية لبنانية معتدلة وذات جمهور واسع، وأنه قادر على استقطاب المكونات اللبنانية كافة،

من خلال مشاريعه الإنمائية والاقتصادية وإعمار لبنان مادياً ومعنوياً، وكان له دور ووزن عربي ودولي كبير، رفض الحريري التجديد للرئيس اللبناني إميل لحود مما أثار غضب الدكتاتور القابع بدمشق بشار الأسد فأوعز للعملاء وخبراء الإرهاب والتفجير بدمشق وبيروت للتخلص منه، وحينها كانت القوات السورية متواجدة بلبنان مما سهّل عليه تنفيذ عملية الاغتيال وحينها، بعد الاغتيال ( 14 شباط 2005) اشتعل لبنان بثورة سماها اللبنانيون ثورة الأرز، وأدت التحركات الشعبية العارمة المناهضة للأسد والمنددة بجريمة اغتيال الحريري وغيرها من الاغتيالات السياسية، إلى أن تطلب الولايات المتحدة بصورة عاجلة رحيل القوات السورية من لبنان وقد حصل ذلك بصورة مذلة للنظام السوري، وتم تشكيل محكمة دولية للبحث في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه بعد مطالبة قوية لفريق 14 آذار آنذاك وكما يقول الدكتور أكرم سكرية فإن «ما يميز تيار المستقبل على الصعيد اللبناني، أنه ولأول مرةٍ في تاريخ لبنان، يتقدم طرفٌ سياسيٌ مدنيٌ ديموقراطي ليشكل إطاراً جامعاً لأهل السنّة في لبنان أولاً،

ومن ثمّ لينفتح على المكونات المجتمعية اللبنانية الأخرى.إن نجاح تيار المستقبل بتأكيد وتكريس تحالفه مع قوى 14 آذار بتنوعها الثقافي، ونجاح هذا التحالف ببناء دولة مدنية في لبنان، يشكل رافعة أساسية لتحالفات مماثلة في المجتمعات العربية على قاعدة بناء دولة مدنية في كل منها.وكذلك فإن نجاح هذا التحالف، أعني تحالف قوى 14 آذار يشكل تأكيداً وتكريساً لقيم العروبة الثقافية التي هي نتاج تفاعل للمكونات المجتمعية العربية كافة، وبالتالي فإنها ليست عروبة العرق والدين كما تم تقديمها في أواسط القرن العشرين«

. كان العداء شديداً لتياري المستقبل الكردي السوري واللبناني على حد سواء من قبل النظام السوري، لذلك قرر النظام السوري في تاريخين ومكانين مختلفين تصفية قيادة التيارين في رابعة النهار، ظناً منه أنه بهذا التصرف المنتمي لثقافة التخلف والعفونة السياسية سيسكت صوت الحق والحرية، اغتيل الحريري لإدامة هيمنة النظام السوري على لبنان عبر ذيوله وأتباعه في لبنان، واغتيل مشعل التمو لإسكات صوت الجرأة والحق ضد نظام شمولي دكتاتوري فظيع خرب سوريا ودمرها وخرب المنطقة ودمرها تدميراً كاملاً.هكذا تعامل النظام مع هذين التيارين وهو كان مذعوراً وخائفاً جداً من نهوض كل تيار ومؤسسه والحصول على استقطاب شعبي يقض مضاجعه في دمشق.

مقالات ذات صلة

USA