هذا الغموض لم يدم طويلاً، حيث أعلن وزير الدفاع البولندي، ماريوس بلاشزاك، السبت، أن بلاده سوف توقّع رسمياً على عقد لشراء 24 طائرة مسيرة تركية قتالية من طراز “بيرقدار”، وذلك بعد أيام من تلميحه إلى ذلك من خلال نشر صورة للمسيرة التركية عبر تويتر وأرفقها بعبارة “أخبار سارة قريباً”.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية البولندية “PAP”، عن وزير الدفاع قوله إن بلاده ترغب في شراء 24 طائرة مسيرة من تركيا، من طراز “بيرقدار تي بي 2” المسلحة. وأضاف أن هذه الطائرات فعالة للغاية، حيث “أثبتت جدارتها في الحرب شرق أوروبا، كما تم استخدامها بالشكل ذاته في منطقة الشرق الأوسط”، لافتاً إلى أنه من المنتظر التوقيع على اتفاقية الشراء بين البلدين، خلال زيارة الرئيس البولندي أندريه دودا إلى تركيا، الأسبوع المقبل.وعلى الرغم من أن بولندا لا تعتبر أول دولة في العالم تشتري المسيرات التركية، إلا أنها أول دولة تعتبر من صلب المعسكر الغربي وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) كما أنها دولة مجاورة لروسيا، وهو ما يتوقع أن يؤدي لارتدادات وردود فعل وحسابات في كل من روسيا والاتحاد الأوروبي والناتو، ويجعل منها صفقة دفاعية غير عادية تحمل في طياتها أبعادا استراتيجية هامة.
وسبق أن باعت تركيا مسيراتها الاستطلاعية والهجومية إلى العديد من الدول، منها قطر وأذربيجان وليبيا ولاحقاً إلى أوكرانيا التي اشترت طائرة “بيرقدار”، فيما اشترت تونس طائرات مسيرة من طراز “عنقاء”، وسط أنباء عن قرب توقيع المغرب على صفقة لشراء مسيرات تركية، وتسريبات عن نية دول أوروبية جديدة اقتناء المسيرات التركية قريباً.
على صعيد الاتحاد الأوروبي، فإن لجوء بولندا إلى ترجيح اقتناء المسيرات التركية على العديد من دول الاتحاد الأوروبي التي تنتج مسيرات قتالية، سيفتح الباب أمام نقاشات عميقة داخل أطر الاتحاد الذي وجّه انتقادات حادة لاستخدام المسيرات التركية في ليبيا وسوريا وقره باغ، كما أنها ستعتبر نقطة تحول استراتيجية بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي الذي ما زال حتى اليوم يلوّح بشكل مستمر بفرض عقوبات على تركيا ووقف تصدير الأسلحة، إليها باتت دول منه بحاجة إلى شراء أسلحة تركية متطورة أثبتت تفوقها في ميادين مختلفة.
ومن شأن هذه الخطوة أن تزيد الخلافات وتباين وجهات النظر داخل أطر الاتحاد المنقسم أصلاً في موقفه اتجاه تركيا، لا سيما فرنسا التي دعت مراراً إلى الضغط على تركيا وفرض عقوبات عليها، كما من شأن هذه الخطوة أن تعزز “أصدقاء” تركيا داخل الاتحاد وبالتالي تصعيب مهمة التوافق لاحقاً على فرض أي عقوبات كبيرة على أنقرة، حيث يتوقع أن تسعى بولندا إلى اتخاذ مواقف “معتدلة” تجاه تركيا داخل هيئات الاتحاد الأوروبي، وهو ما من شانه تصعيد وتعقيد أي مساعٍ للتوافق على خطوات سلبية تجاه أنقرة، وهي بلا شك ستكون نقطة تحول استراتيجية.هذه المقاربة تنطبق إلى درجة كبيرة على حلف الناتو الذي سيثور بعض أعضائه للتساؤل حول الأسباب التي تدفع دولة مثل بولندا لشراء أسلحة من تركيا، ولا تفضل بالدرجة الأولى الأسلحة الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية، وهو ما سيعتبر نقطة تحول كبيرة في كل المعايير، كما سيزيد التعاون الدفاعي بين تركيا وبولندا وأي دول جديدة تشتري المسيرات التركية من قوة الموقف التركي داخل أطر الحلف، وسيصعّب اتخاذ قرارات تغضب تركيا لصعوبة التوافق عليها لاحقاً.ولا تتوقف ارتدادات هذه الصفقة عند حدود الاتحاد الأوروبي والناتو، بل تمتد أيضاً لتصل إلى روسيا التي كانت تعتبر بولندا أحد أبرز حلفائها في الاتحاد السوفيتي قبل أن تتحول إلى المعسكر الغربي، كما أنها تعتبر دولة حدودية بشكل غير مباشر -تفصل بينهما بيلاروسيا- ومن شأن اقتنائها أسلحة متطورة أن يشكل ازعاجاً كبيراً لروسيا.