• الأحد , 24 نوفمبر 2024

بيرقدار وأقنجي وأول طائرة حربية مسيرة: تركيا تستعرض ثورتها في صناعة الطيران

إسماعيل جمال إسطنبول ـ «القدس العربي»: 4/9/2022

في ولاية سامسون على ساحل البحر الأسود شمالي البلاد أقامت تركيا النسخة الخامسة من مهرجان «تكنوفيست» لتكنولوجيا الطيران والفضاء الذي تحول منذ سنوات إلى مناسبة لاستعراض تركيا ثورتها الصناعية في عالم الطيران بعدما نجحت في تحقيق نجاحات هائلة في مجال صناعة الطائرات المسيرة المسلحة التي باتت حديث العالم عقب مشاركتها في العديد من المعارك من سوريا والعراق مروراً بليبيا وأثيوبيا وصولاً إلى قره باغ والحرب المتواصلة في أوكرانيا.

وبعد النجاح الهائل الذي حققته مسيرة بيرقدار، كانت طائرة «أقنجي» أحدث وأهم نسخة من المسيرات التركية المسلحة القادرة على حمل صواريخ متنوعة وثقيلة وموجهة أهم ما عرض في النسخة السابقة من المهرجان في إسطنبول، إلا أن النسخة الحالية من المهرجان شهدت عرض مجسم الطائرة الحربية المسيرة التي وعد القائمون على صناعتها بأنها ستحلق في الأجواء في النصف الأول من العام المقبل لتكون بمثابة ثورة غير مسبوقة في عالم الطيران المسير.

وبينما يعتبر المهرجان فرصة لتحقيق مزيد من المبيعات للأسلحة وخاصة الطائرات المختلفة التي باتت تنتجها تركيا، كُشف النقاب لأول مرة عن أن عدد الدول التي اشترت مسيرة بيرقدار وصل إلى 24 دولة، بينما وقعت 4 دول أخرى عقودا لشراء المسيرة الأحدث «أقنجي» وهي أرقام تضع تركيا في مصاف أكثر الدول تصديراً للمسيرات المسلحة في العالم.

وحتى قبل قرابة عقد واحد من الزمان، كانت تركيا تُسخر كافة جهودها الدبلوماسية من أجل اقناع إسرائيل بإصلاح الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي كنت تمتلكها تركيا وقد تعرضت لأعطال فنية مختلفة أخرجت معظمها من الخدمة، وهو ما لم تنجح فيه بسبب الخلافات التي تصاعدت بين الجانبين، كما فشلت أنقرة في الحصول على طائرات من دول غربية مختلفة تنتجها نتيجة التضييق على صادرات الأسلحة إليها وخاصة من قبل الكونغرس الأمريكي.

في تلك الفترة كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يزيد من دعمه في كافة المجالات للشركات التي تعمل على برامج لتطوير أسلحة مختلفة ومنها المسيرات في إطار ما قال إنه برنامج لتوطين الصناعات الدفاعية ووضع حد لـ«الارتهان للخارج» معتبراً أن «استقلال القرار التركي يبدأ من اعتماد الجيش على الأسلحة التركية بنسبة مئة بالمئة».

خلال سنوات قصيرة، نجحت العديد من شركات الصناعات الدفاعية في تحقيق اختراق كبير ظهر على شكل مسيرات بأشكال وأسماء ومميزات مختلفة كان أبرزها «بيرقدار تي بي 2» وهي طائرة مسيرة خفيفة قادرة على حمل صواريخ موجهة بالليزر والطيران لساعات طويلة على ارتفاعات آمنة جرى تطويرها تباعاً وأظهرت أداء عسكريا كبيرا في ساحات المعارك ولم تتعرض لأي انتكاسة تقنية أو عسكرية حتى الآن.النجاح الكبير الذي شهده مشروع طائرة «بيرقدار» شجع العديد من المشاريع الأخرى وبرزت مسيرات متنوعة منها «أق سونغور» و«عنقاء» قبل أن يعلن عن «أقنجي» الأحدث في أسطول المسيرات التركية بقدرات هائلة على الطيران لساعات طويلة وارتفاعات شاهقة، والأهم القدرة على حمل قنابل يصل وزنها في بعض الأحيان لتلك التي تحملها الطائرات الحربية التقليدية، كما برزت مشاريع جوية أخرى منها طائرة «حر قوش» للتدريب، ومروحية «أتاك» العسكرية، ومروحية «غوك بيه» المدنية، والعديد من المشاريع الأخرى.وبالتوازي مع ذلك، كانت شركات أخرى للصناعات الدفاعية مشغولة في صناعة الأسلحة والصواريخ التي تستخدمها هذه الطائرات، حيث تقول وزارة الدفاع التركية إن جميع الصواريخ والأسلحة التي تستخدمها في هذه الطائرات «وطنية» ويقول اردوغان إن الجيش التركي بات اليوم يعتمد على الصناعات الدفاعية الوطنية بنسبة تصل إلى 80 في المئة، بعدما كان يعتمد على الخارج بشكل شبه كامل.

دعاية في أرض المعركة

سرعان ما وجدت «بيرقدار» فرصتها لاختبار أدائها وتسويق نفسها حيث استخدمها الجيش التركي على نطاق واسع في المعارك التي خاضها ضد التنظيمات المسلحة والنظام السوري في شمالي سوريا، حيث ظهرت لأول مرة مشاهد بيرقدار وهي تدمر العربات العسكرية والدبابات والأنظمة الدفاعية المتقدمة واحدة تلو الأخرى كألعاب الفيديو قبل أن تظهر وهي تلاحق الأفراد المطلوبين سواء أثناء سيرهم في سيارات مسرعة أو حتى سيراً على الأقدام.هذه المشاهد سرعان ما تكررت أكثر من مرة في شمالي سوريا وبرز تدمير الأنظمة الدفاعية الروسية والتفوق عليها، قبل أن تنجح هذه المسيرات في تدمير أنظمة بانتسير الروسية في ليبيا وهزيمة قوات حفتر بشكل حاسم، قبل أن تساعد أذربيجان على هزيمة أرمينيا في إقليم قرة باغ، وصولاً إلى استخدام أوكرانيا لها ضد الجيش الروسي بشكل فعال في الحرب الدائرة ونشر مقاطع لها وهي تدمر عربات عسكرية متقدمة وقوافل عسكرية كاملة وحتى سفناً حربية في وسط البحر.

هذه المعارك والمشاهد كانت بمثابة اختبار عسكري حاسم أثبت قوة المسيرات التركية التي أبهرت العالم بأدائها حيث تهافتت العديد من الدول حول العالم لطلب شرائها وأعلنت الشركة المصنعة بأنها لا تستطيع تلبية جميع الطلبات بعدما وقعت عقودا تشمل قدرتها الإنتاجية لعدة سنوات مقبلة.

أكثر مسيرة تصديراً في العالم

وفق أحدث تصريح رسمي، فإن 24 دولة حول العالم اشترت بالفعل طائرة «بيرقدار» وهو ما يجعل منها أكثر طائرة مسيرة مسلحة تصديراً في العالم حسب خلوق بيرقدار، المدير العام لشركة بايكار المصنعة للطائرة، مؤكداً أن شركته صدرت بيرقدار إلى 24 دولة، وبلغت حصة الصادرات من إيرادات الشركة 98 في المئة.

واعتبر خلوص بيرقدار أن «تركيا لم تعد تعتمد على الآخرين في تكنولوجيا الطائرات المسيرة، بل أصبحت تلبي احتياجاتها الخاصة بنفسها وتقوم أيضا بتصدير منتجاتها» موضحاً أن الطاقة الإنتاجية السنوية للشركة تبلغ 200 وحدة (طائرة بيرقدار) وأنهم يخططون لرفع الرقم إلى 500 العام المقبل.

وعلى الرغم من أن قائمة مشتري الطائرة لا تعلن بشكل رسمي، إلا أن قطر كانت من أوائل الدول التي اقتنتها، كما حصلت أوكرانيا على أكثر من دفعه منها، وامتلكتها حكومة طرابلس في ليبيا، وأثيوبيا التي استخدمتها في تيغراي، كما اقتنتها العديد من الدول الأفريقية، إلا أن الاختراق الأهم كان باقتنائها من قبل دول أوروبية وأعضاء في الناتو على غرار ليتوانيا وبولندا وغيرها من الدول.

وزادت أهمية صناعة الطيران والصناعات الدفاعية في تركيا بشكل عام بسبب الانخراط في العديد من المعارك في الخارج والعقوبات الغربية وحظر توريد الأسلحة لها من العديد من الدول وصولاً لرفض بيعها منظومة باتريوت الدفاعية وطردها من برنامج إف 35 والمصاعب الأخرى التي واجهتها نتيجة اقتنائها منظومة إس 400 وهو ما دفعها أيضاً لمحاولة إيجاد بديل للطائرات الحربية والأنظمة الدفاعية التي تضطر لشرائها من الخارج.

ومن أبرز هذه المشاريع، مشروع الطائرة الحربية الوطنية الذي تعمل عليه منذ عام 2010 اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية التركية مع شركة «توساش».

وحسب الخطة القائمة فإن الطائرة ستكون بإمكانيات وطنية كاملة ومن الجيل الخامس ومن المقرر أن يجري تشغيل محركها عام 2023 فيما ستنفذ المقاتلة أولى تجارب الطيران عام 2025 وسيجري تسليمها للقوات الجوية بحلول عام 2028.

وإلى جانب ذلك، تعمل شركة بايكار على مشروع لصناعة أول طائرة حربية مسيرة أطلقت عليها اسم «قيزيل إلما» وعرضت مجسمها في مهرجان تكنوفيست الحالي، حيث يقول سلجوق بيرقدار المدير التقني للشركة إن الطائرة سوف تحلق لأول مرة في النصف الأول من العام المقبل وهو مشروع في حال نجاحه بالفعل سيكون بمثابة ثورة حقيقية في عالم الطيران.

مقالات ذات صلة

USA