Syria tv
بادرت أكثر من جهة دولية إلى عقد لقاءات مع شخصيات وجماعات من المعارضة السورية لا تحمل صفة رسمية ذات صلة بالكيانات الرسمية للمعارضة في الوقت الراهن، لقد بدأها نائب وزير الخارجية الروسي (ميخائيل بوغدانوف) بلقاء السيد معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف في حزيران الماضي، ثم تلا ذلك لقاء آخر، كان الروس هم الطرف المبادر أيضاً، وأعني اللقاء الذي أجرته البعثة الروسية في الأمم المتحدة مع شخصيات من الطائفة العلوية تقيم خارج سوريا، أمّا اللقاء الثالث والذي كان أكثر إثارةً، فقد بادر به الطرف الأميركي، وأعني اللقاء الذي أجراه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جويل رايبورن مع الدكتور رياض حجاب، الرئيس السابق لهيئة التفاوض، في واشنطن، بداية شهر آب الجاري.وبعيداً عما تثيره هذه اللقاءات مجتمعة من ردود فعل، فإنها تحمل دلالات كثيرة، كما تفصح عن أسئلة جدّ مشروعة، لدى معظم السوريين، لا سيّما أن الطرفين المبادرين لتلك اللقاءات، هما الطرفان القابضان على جميع مفاصل الصراع في سوريا، فهل من الصحيح أن انخفاض وتيرة الحرب في سوريا، وانحصارها في حيّز جغرافي محدد، قد جعل القوى الكبرى تفكّر في إيجاد حلول نهائية لما يجري في سوريا، وهل تحمل هذه اللقاءات مع شخصيات من المعارضة السورية أيّ فحوى جدّي أو رؤى قابلة لأن تكون مفاتيح لحل سياسي في سوريا، أم إنها لا تعدو كونها عملية استطلاع أو (جسّ نبض) كما يقال، لما يمكن أن يفكر به المعارضون السوريون، ثم ألا يمكن أن تكون تلك المبادرات نحو التوجه إلى القطاعات غير الرسمية من المعارضة ضرباً من التنافس الأميركي الروسي حول أيّهما أكثر قدرةً على الإمساك بروائز البنى الاجتماعية السورية؟ إلّا أن السؤال الأكثر بداهةً وأهميّة في الوقت ذاته هو إن كان الطرفان – الأميركي والروسي – يشدّدان في مواقفهما الرسمية على ضرورة التزام جميع أطراف الصراع بالعملية السياسية المنبثقة من القرارات الأممية، وبخاصة القرار 2254 ، وذلك من خلال المفاوضات الجارية بين الأطر الرسمية لطرفي النزاع، فلماذا – إذاً – السعي خارج السياق العام للعملية السياسية؟ أم أن واشنطن وموسكو لديهما تصوّر مشترك، يقضي بأن تكون مخرجات العملية السياسية في سوريا هي عبارة عن حل توافقي بين الأطراف الدولية النافذة في الشأن السوري، وبالتالي ليست القرارات الأممية سوى مظلة شكلية يمكن الاستظلال بها إن حصل توافق في المصالح بين تلك الأطراف، ولعلّ هذا التصوّر الأخير، ليس بعيداً عن تصور القسم الأكبر من السوريين، بل لعلّه التصوّر الأكثر رسوخاً في الأذهان، وذلك نتيجة لعقم عملية التفاوض بكل مساراتها (جنيف – أستانا) على مدى سنوات خلت، وكذلك نتيجة ليأس السوريين من قدرة المرجعية الأممية على التعاطي الإيجابي مع مأساتهم، وعلى فرض إرادتها وتحويل ما يصدر عنها من قرارات إلى أفعال، بل يمكن الذهاب إلى أن العطالة المزمنة في مجلس الأمن التي رسّخها الفيتو الروسي انحيازاً لنظام الأسد، جعلت الكثير من السوريين يعتقدون أن لقاء السيد رياض حجاب مع المبعوث الأميركي إلى سوريا علامةً أو مؤشراً على مبادرة أميركية تعمل واشنطن على إظهار خيوطها شيئاً فشيئاً، وما عزّز هذا الاعتقاد هو دعوة السيد حجاب في أعقاب لقائه مع جويل رايبورن، إلى ضرورة إعادة هيكلة المعارضة السورية، كما شدّد على وجوب عدم تبعيتها أو ارتهانها للأجندات الدولية أو الإقليمية على حساب المصلحة الوطنية.تصريحات السيد حجاب على إثر لقائه في واشنطن لم تنحصر ارتداداتها على الشعور العام لدى قسم كبير من المواطنين السوريين فحسب، بل ربما كان لها الارتداد الأكبر على كيان (الائتلاف) الذي تابع لقاءات حجاب في واشنطن بمزيد من الاهتمام المشوب بالقلق، بل ربما كانت إشارة حجاب حول (إعادة هيكلة المعارضة) هي ما يعزّز هذا القلق، خشية من مسعى أميركي لإيجاد قيادة أو قيادات جديدة للمعارضة السورية، تعمل على تحييد دور الائتلاف، والحدّ من أي دور فاعل له في أي عملية سياسية راهنة أو مستقبلية.ريبة الائتلاف من تصريحات حجاب تمثّلت بإسراع قيادته الجديدة إلى رفع نبرة خطابها حول ضرورة إصلاح الخلل المزمن في كيان (الائتلاف)ريبة الائتلاف من تصريحات حجاب تمثّلت بإسراع قيادته الجديدة إلى رفع نبرة خطابها حول ضرورة إصلاح الخلل المزمن في كيان (الائتلاف)، علماً أن شعار (إصلاح الائتلاف أو تصويب الخلل فيه) كان شعاراً بارزاً لدى جميع من تعاقبوا على القيادة منذ العام 2013، إلّا أنه لم يتحوّل إلى حيّز الفعل، وبقي ضمن تخومه الشعاراتية.الخطوة العملية التي بدأت بها قيادة الائتلاف الجديدة تمثلت في التواصل مع عدد من الأحزاب والقوى السياسية عبر رسائل تؤكّد رغبة الائتلاف بالتنسيق والتشاور مع تلك القوى فيما يخص الشأن السياسي، ولا تحمل تلك الرسائل شيئاً أبعد من ذلك، وهذا يعني أن عملية الإصلاح التي تتخيّلها قيادته إنما تتجه إلى الفضاء الخارجي، ولا تنظر إلى بنية الائتلاف ككيان أو كمؤسسة، الأمر الذي يؤكّد محدودية تلك الدعوة الإصلاحية، إذ يمكن ألّا تعدو كونها عملية احتواء للأصوات التي تطالب بالإصلاح.على أيّة حال، إن أي عملية إصلاحية تطال الكيانات الرسمية للمعارضة، ستكون مرهونة بتحدّيات ليست باليسيرة، لعلّ أبرزها:1 – ما بين نشأة الائتلاف عام 2012، واللحظة الراهنة، مساحة زمنية حملت الكثير من المستجدّات الميدانية والسياسية، فضلاً عن التغييرات التي طرأت على التشكيلات السياسية التي تحاصصت الائتلاف، وإن التعاطي الجدّي مع هذه التغيّرات لا بدّ أن يوجب النظر من جديد في النظام الداخلي واللوائح التنظيمية والإدارية، إضافة إلى مسائل مستوى التمثيل ونوعيته …إلخ.2 – تحكّم الإرادات الإقليمية والدولية على امتداد السنوات الماضية بالائتلاف (تنظيمياً وإدارياً وسياسياً) قد عزّز حالة التبعية والتي غالباً ما تكون على حساب المصلحة الوطنية، ولعل الأكثر سوءاً أن حالة الارتهان التي باتت متجذّرة في مفاصل الائتلاف لم تعد نشازاً لدى العديد من أعضائه أو القائمين عليه، بل ثمة استمراء وتعزيز لشهوة الارتهان، ولا شك أن استعادة الائتلاف إلى حاضنته أو فضائه الوطني بحاجة إلى استعداد كبير للتضحية والتخلّي عن المصالح النفعية أو الشخصية لدى العديد من المنضوين داخل هذه المؤسسة.3 – الانسجام بين الفكر والسلوك، أو بين الخطاب والفعل، هو المصدر المباشر للمصداقية سواء لدى الأفراد أو الجماعات، ولعل الطريقة التي سلكتها قيادة الائتلاف في الوصول إلى مبتغاها (عملية تبادل المواقع بين رئيسي هيئة التفاوض والائتلاف) تثير كثيراً من الارتياب في الشعارات المطروحة، (فاقد الشيء لا يعطيه).لعل اهتمام السوريين وتوجّه أنظارهم نحو المساعي الدولية التي تجري خارج الأطر الرسمية، لتلمّس بقعة ضوء في آخر النفق، وكذلك انتظارهم لما يشبه المُنقِذ، ليكون القائد أو الممثّل المُتَخيَّل لقضيتهم، إنما يعود في جزء كبير منه، إلى أمرين يؤديان إلى النتيجة ذاتها، أولهما الموقف الدولي الخاذل لقضيتهم، والمنحاز دائماً للمصالح وليس لعدالة أي قضية، وثانيهما عطالة المؤسسات التي ادّعت تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم، ثم ما لبثت أن استمرأت حالة الاستنقاع، وما تزال تصرّ على عدم مغادرته.