بكر صدقي القدس العربي:27/1/2022
في الوقت الذي يصارع فيه النازحون في مخيمات الشمال الظروف المناخية القاسية، يسعى سوريو مناطق سيطرة النظام الكيماوي للبقاء على قيد الحياة في غياب أبسط شروط الحياة الطبيعية. وفي حين تستمر معركة سجن غويران في الحسكة بين قوات قسد ومقاتلي داعش، تواصل مجموعاتهم الصحراوية شن هجماتها المتفرقة ضد قوات النظام.
وفي خلفية كل ذلك تكاد تغيب الأرقام والمعطيات المتعلقة بوباء كورونا في مختلف المناطق أو الدويلات السورية، فلا أحد يهتم بها أمام جسامة الشروط الحياتية الأخرى بدءًا من الجوع والبرد وصولاً إلى غياب الخدمات الأساسية.
يتصرف المحتل الروسي وكأنه غير معني بكل ما ذكر أعلاه، ولن نتحدث عن عميله الأسدي في هذا السياق، فلديه أعمال أكثر أهمية ينشغل بها كالاستمرار في قتل المعتقلين واعتقال المزيد منهم، والاستيلاء على ممتلكات «الغائبين» (هذا تعبير إسرائيلي بخصوص ممتلكات من نزحوا من الفلسطينيين، يناسب هذا المقام) واستقبال وفود إيرانية وفلسطينية، وتصدير المخدرات إلى الدول الشقيقة والصديقة والمعادية جميعاً، وغيرها من الأعمال التي اختص بها. كذلك لن نتحدث عن الاستيطان الإيراني الذي لا يعتبر نفسه احتلالاً لتمكن مطالبته بمسؤوليات الدول التي تحتل أراضي غيرها من الدول.
فالمحتل الروسي هو الذي تنطبق عليه صفة الاحتلال الاستعماري بمعناه التقليدي، لكنه أيضاً الوحيد الذي يكتفي من «مسؤوليات المحتل» بالبطش والقتل والتدمير. حتى قواعده العسكرية في سوريا لم يقم ببنائها، بل استولى عليها جاهزة ثم أدخل عليها بعض التعديلات، غالباً بالتوسع في المساحة على حساب أراض مجاورة.
هذه حال قاعدة حميميم الجوية قرب مدينة اللاذقية التي تشكل «عاصمة» قوة الاحتلال في سوريا، وميناء طرطوس الذي أصبح مركزاً للقوات البحرية الروسية في سوريا، إضافة إلى مطارات ومواقع عديدة منتشرة في مختلف المناطق السورية.
جديد المحتل الروسي هو طلائع سيطرته على ميناء اللاذقية، أكبر ميناء تجاري سوري على شاطئ البحر، بل البوابة التجارية البحرية شبه الوحيدة على العالم. فقد تحدثت الأخبار عن تسيير دوريات مشتركة روسية – أسدية في حرم الميناء، وطرد قوات الفرقة الرابعة التي كانت هي المسيطرة سابقاً.
هذا الدخول العسكري الروسي إلى الميناء سيكون بمثابة فيتو روسي على أي هجمات عسكرية إسرائيلية جديدة، بعد هجمتين متتاليتين على رصيف الحاويات في شهر كانون الأول الماضي، شكلتا سابقة في الحرب الإسرائيلية على إيران في سوريا. يمكن الافتراض، بناءً على المؤشرات المتوفرة، أن روسيا أقنعت إسرائيل بالكف عن شن المزيد من الهجمات على الميناء مقابل التعهد بعدم استخدامه لنقل الأسلحة والعتاد الإيرانيين إلى لبنان أو المناطق السورية.
من هذا المنظور يشكل الوجود العسكري الروسي ردعاً لإيران أكثر مما هو ردع لإسرائيل، فبين روسيا وإسرائيل علاقات تفاهم، بشأن سوريا وغيرها من المواضيع، لا تحتاج إلى توكيدها بصورة عملية، في حين أن العلاقة الروسية – الإيرانية أكثر تعقيداً من امكان اختزالها إلى تحالف سياسي – عسكري عادي بشأن سوريا، فثمة أمور غير قابلة للتفاهم بينهما، تحتاج إلى نوع من الدوس على الذيل لإقناع الحليف/ المنافس.
لو اقتصر الجديد الروسي في سوريا على السيطرة الأمنية على ميناء اللاذقية، لكان من السهل فهمه بسبب أهمية الميناء الحيوية سواء بالنسبة للنظام الكيماوي أو لروسيا، وضرورة تحييده عن الصراع الإسرائيلي – الإيراني في سوريا. لكن خبراً آخر تحدث هذه المرة عن دوريات جوية مشتركة روسية – أسدية قرب الجولان المحتل، أي على الحدود مع إسرائيل! وفوق ذلك قالت المصادر الروسية إن هذه الدوريات ستتكرر وتشمل مختلف المناطق في الأجواء السورية!نعم، هذا جديد حقاً.
إذا استمرت هذه الدوريات الجوية فعلاً في الأجواء السورية في الفترة المقبلة، كما أعلنت القيادة الروسية في قاعدة حميميم، فمن شأن ذلك أن يشكل نوعاً من حظر جوي روسي في وجه الطيران الإسرائيلي والصواريخ الإسرائيلية التي دأبت على ضرب المواقع الإيرانية على الأراضي السورية طوال العقد الماضي.
هل يعني ذلك حماية جوية روسية للمواقع والميليشيات الإيرانية في سوريا، مع المجازفة بتدهور علاقات موسكو مع تل أبيب؟قد يكمن الجواب على هذه الأسئلة في التوتر المتصاعد بين موسكو وواشنطن بخصوص أوكرانيا.
من المحتمل أن الرئيس الروسي بوتين يعزز تحالفاته مع إيران (والصين) في مواجهة ما يعتبرها استفزازات من واشنطن والحلف الأطلسي في «حديقتها الخلفية» أوكرانيا. وهو ما يقتضي، في «التفصيل السوري»، حماية إيران من الضربات الجوية الإسرائيلية المتواصلة، وقد يكون ضمن سلة التوافقات ضمان عدم استهداف إسرائيل بأي هجمات إيرانية، وهذا ليس بالأمر الصعب.
كذلك من شأن تأمين حماية روسية للأهداف الإيرانية من هجمات إسرائيل أن تقوي موقف إيران في مفاوضات فيينا التي تريد لها طهران أن تقتصر على الملف النووي وحده فلا تشمل نزعتها التوسعية في الجوار العربي.
أما أحوال السوريين في مختلف المناطق، وبخاصة في المخيمات والمعتقلات الأسدية، فهي خارج اهتمامات روسيا وسائر الدول الفاعلة.