تستعد الجبهة الجنوبية في سوريا لخوض معركة تكاد تكون الأشرس، خصوصاً أن المعركة تحظى بغطاء أميركي، مبني على توافق بين واشنطن وموسكو وتل أبيب. وتجلّى ذلك في الرسائل التي تلقاها مقاتلو فصائل المعارضة من الاميركيين بوجوب عدم الذهاب إلى الرد على استفزازات الروس والنظام العسكرية أولاً، وثانياً رسائل أخرى تحثّهم على عدم الدخول في المواجهة. يراد لدرعا أن تكون نهاية حقبة الثورة السورية. هي التي كانت أم البدايات. ويراد لها أن تكون أم النهايات. لا ينفصل ما يُصاغ لدرعا عما يجري في المنطقة ككل. في معركة رسم الحدود ومناطق النفوذ، وإطلاق الرسائل تجاه الأردن وغيرها. لكنها ترتبط بصفقة القرن.
هناك مخطط لتقسيم درعا إلى ثلاثة أقسام عسكرية. على أن يكون التقسيم مستنسخاً لما حصل في الغوطة. وذلك بهدف الدخول في مفاوضات مع كل طرف على حدة، حسب الفصائل ومواقفها. هناك فصائل ترفض التسليم، وتذهب إلى خيار المواجهة والخروج عن الطواعية الأميركية. وهذا لا ينفصل عن استمرار الموقف تجاه إبعاد الإيرانيين من المناطق الجنوبية على حاله. الغاية هي تسلّم النظام السوري المنطقة، وفتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، وإعادة احياء العمل باتفاق 1974.
المؤشر الجديد هو الموافقة الأميركية على شن النظام السوري هجوماً في الجنوب السوري. ما يدل على توافق كبير بين الروس والاميركيين. ولا بد أن هناك ثمناً كبيراً مقابل ذلك. قد يكون مقابل تقليص النفوذ الإيراني في سوريا. هذه القراءة تؤدي إلى التمهيد للعودة إلى احياء مفاوضات جدية بين الروس والأميركيين.
أجواء حزب الله تحدثت قبل فترة عن المشاركة في معركة درعا، لكن ما هو غير محسوم أو واضح بعد، هو كيف سيتعاطى الإسرائيليون والأميركيون مع هذه المشاركة؟ تشير المصادر إلى أن ثمة ضوابط كبيرة لمشاركة الحزب في الجنوب السوري وحول حركته، كما أنه غير موجود في الخطوط الأمامية، وهو يكتفي بوجود خلفي تحت مسمّى قوة إسناد.
وفيما تتحدث المعلومات عن أن استمرار وجود حزب الله والإيرانيين في الجنوب السوري، بلباس الجيش السوري، ثمة من لا يعلّق أهمية على هذا الأمر، تحت اعتبار أن الوجود الإيراني الخاص والمستقل، لم يختلف كلياً عن وجوده ضمن الجيش السوري. وهذا سيؤدي إلى تقويض عمل الحزب وحرية حركته، لأن المسألة تتعلق بالإقرار والاعتراف بالدور الإيراني بمعزل عن الجيش السوري. وهنا تكمن الإشكالية، بالنسبة إلى تحديد مدى حركة الإيرانيين في سوريا، طالما أن وجودهم أصبح مندرجاً في إطار وجود الجيش السوري، ولم يعد قادراً على أن يكون موجوداً بقوته الداعمة للجيش السوري. وكل ما يمكن أن يقدم عليه الإيرانيون سيكون مندرجاً في حسابات الجيش السوري الذي سيتحمّل مسؤولية أي خطوة إيرانية.
يسير العمل في الجنوب السوري على إيقاع ما يحصل بالملف الفلسطيني. لا يمكن إنجاز صفقة القرن بدون توافقات معينة ولو كانت موضعية بشأن الوضع في سوريا، وتحديداً في الجنوب السوري. المعركة ستنطلق في الأيام المقبلة، لكن حدودها لن تكون درعا. الحدود الجنوبية اللبنانية مرتبطة بما سيجري هناك، تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى الحدود اللبنانية الشرقية، والحدود العراقية السورية.
المصدر: المدن