د. محمود الحمزة
يناير/ كانون الثاني 2020
مخطط الدراسة:الهوية الوطنية السورية
لمحة عن تاريخ المسألة الكرديةمن تاريخ الحركة السياسية الكردية حتى بداية الثورة السورية.
الهوية الوطنية السوريةلم تتبلور الهوية الوطنية السورية بشكلها الكامل والسليم في سورية في اي وقت من الأوقات منذ تأسيس الدولة السورية قبل مائة عام تقريباً. ولم يكن هناك توحد عميق في المجتمع السوري، فمرحلة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي كانت في حقيقة الأمر تحت راية القومية العربية (ياسين الحاج صالح). وكان تاريخ سورية الحديث هو تاريخ الايديولوجيات والعسكر والسلطة لا تاريخا للثقافة والاقتصاد والمدينة.وقد ساهم الخطاب الذي ساد وسط الشارع السوري في خلق توتر وتناقضات في المجتمع السوري، حديث الولادة، دون ان تكتمل فيه هوية وطنية سورية وقبل أن يتشكل الشعب السوري. ولكن “استقرار” النظام السوري (مع صفته الاستبدادية) في فترة حافظ الأسد خلقت نوع من الشعور بالانتماء لسورية ، ولكنه بقي رهينة الشعارات القومية.وكما يقول مهاتير محمد لا يمكن أن يستمر التعايش بين الأعراق المختلفة في مجتمع واحد في غياب العدالة والمساواة والتنمية، فإذا كان تغيير الاختلافات العرقية والثقافية واللغوية والدينية يعد شيئاً مستحيلاً، فمن الممكن إزالة الفوارق الاقتصادية وتحقيق العدالة والمساواة والتنمية كأسس سليمة للتعايش السلمي. ومن جهة أخرى نرى أن عدم تشكل ثقافة وطنية سورية كان ولا يزال عقبة في طريق الاندماج الاجتماعيّ وفي طريق التنمية الإنسانية الشاملة والعادلة وإمكانية التحول الديمقراطي.ويرتبط مفهوم الوطنية السورية بالحالة السياسية، التي تحولت إلى حقل خاص بحزب البعث العربي الاشتراكي ، قائد الدولة والمجتمع ، وقائد الجبهة الوطنية التقدمية ، وصار للوطنية معنى واحدا هو الولاء للحزب الحاكم وسلطته الشمولية ، فكل من يواليها وطني وكل من لا يواليها صراحة مشكوك في وطنيته وكل من يعارضها غير وطني.
ولذلك فالسبب الجوهري لكل التناقضات والخلافات والنعرات بين مكونات الشعب، وغياب الروح الوطنية الحقة، يعود لطبيعة النظام السياسي الاستبدادية والتسلطية والتي تقوي الانتماءات ما قبل الوطنية من عشائرية وطائفية ودينية وعائلية، وتستفيد من التفرقة والخلافات للحفاظ على السلطة والثروة.وشهدت سورية فترة نهوض وطني بعد الاستقلال في الخمسينيات حيث ساد جو ديمقراطي وحرية العمل السياسي والمدني، ولكن فترة الوحدة السورية المصرية وما بعدها حتى بداية انقلاب البعث في آذار 1963 ، كانت مرحلة تهميش وطمس للهوية السورية بحجة الهوية العربية التي انتشرت في فترة حكم عبد الناصر ذات الطابع الأمني مما عرقل تشكل الشعب السوري والهوية الوطنية السورية.وجاءت فترة حكم البعث الاستبدادية بشعاراته القومية واعلاء مفهوم العروبة” كهوية لكل الشعب السوري باعتباره جزءا من “الأمة العربية” ، على حساب الانتماءات القومية والثقافية المختلفة.وتستهدف الوطنية السورية تنمية الوعي السوري بذاته بوصفه وعيا وطنيا يجمع بين جميع أطياف الشعب السوري. ولا يستهدف الوعي السوري التقريب بين الإثنيات ذوات الثقافات المختلفة، واحترامها فقط، بل التقريب أيضًا بين اتباع الديانات والطوائف السورية، وتقف الوطنية على مسافة واحدة منها جميعًا، ومن دون أن تكون معنية بمناقشة أي من الجوانب العقائدية واللاهوتية التي تخص أي دين أو طائفة.
وهي ليست نقيضًا أو بديلًا للانتماء القومي أو الديني أو الطائفي، ولكن لها الأولوية على غيرها،والوطنية هي سمة الدولة وهي محايدة ترتبط بالوطن كله وبكافة افراده . وهي مرتبطة بالعلمانية لأن الوطنية ليس لها صبغة دينية او قومية أو طائفية. والوطنية تتناقض مع محاولات الصهر والتذويب بالقوة ولا تنسجم مع التهميش بل يجب أن تستند الحقوق القومية المشروعة على الحقوق المدنية والحريات الأساسية ومبدأ المواطنة وسيادة القانون وعمومية الدولة.
ولا تتحقق الوطنية السورية إلا بالديمقراطيةاعتبر المؤرخ الفرنسي، ميشيل سورا، المُغيب والمختطف من قبل النظام السوري وأزلامه في لبنان، أن النظام السوري، في مرحلة الأسد الأب، استخدم مفهوم العصبية الخلدونية لتثبيت حكمه. وجاء الأسد الابن ليستكمل ما بدأه والده، ويجعل من العصبية الطائفية عصبية عابرة للحدود، عبر تحالفه مع العصبية الشيعية ممثلة بإيران، والوسخ الطائفي القادم من بلدان أخرى.وللأسف نجح نظام الأسد في تطييف الثورة وربطها بأطراف متشددة سنية كالسلفية والقاعدة، وساعدت أطراف عربية وإسلامية في ذلك من خلال تبنيها على فضائيات محسوبة لها لخطاب ديني سني متشدد، بينما رأى الشعب السوري في ثورته أنها شعبية وطنية بامتياز. وردد شعارات وطنية بامتياز مثل “الشعب السوري واحد” .وتجدر الملاحظة بأن التنوع الاجتماعي والقومي والثقافي سلاح ذو حدين تبعا لنظام الحكم السياسي.
ففي ظل الاستبداد يصبح التنوع مصدر خلافات ونعرات وصراعات كما شهدنا في ظل حكم الأسدين، ولو كانت الدولة قائمة على القانون والمواطنة واحترام حقوق الجميع أفرادا وجماعات لكان التنوع مصدر غنى وثراء وقوة للمجتمع كما نشهد في أوروبا. لمحة عن تاريخ المسألة الكرديةلا نريد الخوض في التاريخ القديم للكرد ووجودهم في سورية ، لأنه يحتاج لباحثين علميين متخصصين في التاريخ بعيداً عن الاجندات السياسية. ولكن الحديث عن المسألة الكردية وتشكلها في سورية موضوع تاريخي سياسي معاصر عمره تقريباً من عمر الدولة السورية، التي تأسست نتيجة اتفاقية سايكس بيكو في الربع الأول من القرن العشرين. ويعيش اليوم ، بحسب تقديرات غير رسمية، في الجزيرة السورية (الرقة ودير الزور والحسكة) ما يقارب 3 ملايين نسمة أغلبيتهم من العشائر العربية ، ويشكل الأكراد أقل من ثلث السكان في محافظة الحسكة ، ويقل وجودهم في محافظتي الرقة ودير الزور .
ويبلغ تعداد السريان والاشوريين والكلدان في الجزيرة 200 ألف نسمة بحسب احصائيات غير رسمية.وتفيد المصادر المختلفة بما فيها الكردية أن مجموعات كردية قدمت في القرن 11 بصحبة القائد صلاح الدين الايوبي وسكنت في المدن والمناطق الساحلية والشامية واندمجت وتعربت مثل جبل الاكراد في الساحل السوري وحي الاكراد في دمشق ، وهناك الاكراد الذين وفدوا الى سورية في عشرينات القرن الماضي في زمن الانتداب الفرنسي وتركز معظمهم في الجزيرة السورية بمحافظة الحسكة. ومنهم ظهر قادة وطنيون لعبوا دوراً بارزاً في الثورة السورية الكبرى وفي قيادتها وهم من اصول كردية ولم يتصرفوا كأكراد بل كوطنيين سوريين. وأكراد الجزيرة تتجاذبهم النزعة القومية الكردية والوطنية السورية (كيلاني).مرّت القضية الكردية في سورية بعدّة محطات تبدأ بمرحلة ما بعد الانسحاب العثماني وبدء مرحلة الانتداب الفرنسي. حينها لم تكن القضية الكردية في سورية متبلورة بشكلها القومي الحالي، باستثناء مطالبات بعض وجهاء العشائر الكردية للفرنسيين بمنح مناطقهم حكماً ذاتياً، ما لاقى رفضاً من وجهاء كرد آخرين والذين أصرّوا على إبقاء الارتباط مع دمشق.وكان للأكراد السوريين مسألة قوميّة واضحة المعالم من قبل، كانت تحرز قبولاً من القوى السياسيّة والثقافيّة والمجتمعيّة السوريّة، وتسعى إلى إحراز أشكالٍ من الحكم المحلي والمساواة في الدستور والقوانين ومؤسسات الدولة وباقي منصات المتن العام بين الجماعتين العربيّة والكرديّة في سورية، وكان ذلك بروح توافقيّة وتكامليّة مع باقي القوى الديموقراطية السورية. وكانت مطالب وخيارات الحركة القوميّة الكرديّة قبل تسلط هذا «الحزب القائد» (حزب الاتحاد الديمقراطي) على الكرد خجولة ومتواضعة، على رغم عمق المأساة الكردية، لكنها كانت مطالب وخيارات متوائمة مع حجم وقدرات الكرد السوريين، وحريصة على الحفاظ على الكرد السوريين، مجتمعاً وجغرافيةً، من دون أية شعارات جوفاء وتطلعات هوائيّة، قد تؤدي في المحصلة إلى اقتلاعهم ومحقهم، وترديد القصائد القومية على أطلال بيوتهم ومدنهم وحيواتهم فيما بعد، مثلما يفعلون الآن في عفرين(رستم محمود).وشارك الكرد السوريون في معارك الاستقلال وفي الحراك السياسي في الاربعينيات بشكل فردي ومن خلال الجمعيات الثقافية. من تاريخ الحركة السياسية الكردية حتى بداية الثورة السوريةتأسست اولى الحركات القومية الكردية في سورية من قبل شخصيات كردية قدمت من تركيا والعراق وساهم معهم شخصيات مثقفة كردية سورية. وكانت الفترة 1946-1970 فترة تبلور الحس القومي الكردي في سورية، وخاصة بعد تأسيس “جمعية خويبون- الاستقلال” التي أسسها اكراد من تركيا عام 1927 واعتبروا لاجئين اتراك في سورية. وكذلك تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردي (البارتي) (كلمة بارتي قد تكون مشتقة من كلمة “حزب” باللغات الاجنبية)، وكانت تخلو خرائط كردستان، التي وضعتها جمعية خويبون، من المناطق السورية ذات التواجد الكردي (الجزيرة- عفرين- عين العرب).
وكذلك الخريطة التي اعتمدها القوميون الكرد عام 1948 ايضا خلت من الجزيرة السورية ولم يدخل فيها الا جزء من منطقة جبل الاكراد بعفرين.وتأثر اكراد سورية بالحركة القومية في تركيا والعراق بشكل اساسي، بالاضافة إلى التمييز القومي ضد الاكراد في الجزيرة في زمن حكم البعث (منع استخدام اللغة القومية- منع التعبير عن الهوية الثقافية بالاضافة الى الاضطهاد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي شمل كل السوريين من عرب-سريان وكرد وغيرهم).وفي العهد الوطني الليبرالي 1946- 1963 تأسس عدد من الجمعيات الثقافية الكردية : “الجمعية الثقافية السرية” في مدينة حلب عام 1951 من اجل نشر الثقافة الكردية، وتأسست “جمعية وحدة الشباب الديمقراطيين الكرد” في القامشلي عام 1953 وحملت اهدافا راديكالية بما فيها طرح شعار تحرير كردستان، وتأسست “جمعية إحياء الثقافة الكردية” في دمشق، وكانت بمثابة الإرهاصات لتأسيس حزب الكرد الديمقراطيين عام 1956. وتأسس بعد هذه الجمعيات “الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية (البارتي)” وكان الحزب دائما يعتمد على سياسة معتدلة (باستثناء الفترة التي قاد الحزب فيها الدكتور نور الدين ظاظا الذي طالب بتحرير كردستان وتوحيدها بطرق ثورية). وشارك في تأسيس الحزب: عبد الحميد درويش وعثمان صبري وحمزة نويران بتشجيع من جلال طالباني وانضم إليهم لاحقا رشيد حمو وشوكت حنان ومحمد علي خوجة .وقد أيد الحزب البارتي الوحدة السورية المصرية نظرا لامله في تحقيق مكاسب وعد بها عبد الناصر وكذلك تقارب الحكم الناصري معهم وفتح اذاعة بالكردية 1957 ولم يحل نفسه.
وبدأ الكرد يتساءلون منذ الستينيات عن ماهية المسألة الكردية في سورية ، وهل هم اقلية قومية أم جزء من الشعب السوري؟ ويعتبر الحزب الشيوعي السوري الوحيد الذي جمع بين النخب العربية والكردية في تنظيم واحد.
ملاحظة : الدراسة تعبر عن راي كاتبها وليس لها بالضرورة أن تعبر عن رأي سياسية الموقع التحريرية