بداية يمكن القول بأن هذه الآفة هي من الموروث الفكري والقيمي والعقائدي التي يرتشف من مناهله معظم شعوب هذه المنطقة فهي ظاهرة تاريخية متأصلة في هذا الشرق منذ تأله ملوك السومريين والعموريين وتفرعن ملوك مصر ومن بعدهم ظهر من جعل من نفسه من سلالة الآلهة مثل – سار كون الأكادي – وحمو رابي – وقوروش الفارسي – وحتى إسكندر المقدوني حصل على رتبة الإله في مصر وبعد ذلك ظهر من ادعى بأنه مرسل من عند الله يأمر بأمره ومن ثم ظهر مريديهم وخلفائهم ومازال هذه الظاهرة هي السائدة وتفعل فعلها القمعي في ذهن شعوب هذه المنطقة فالإنسان لا يولد مستبداً بالولادة أو بالفطرة بل هو نتاج مناهله الثقافية والفكرية والعقائدية فثقافة الآلهة عبر التاريخ لم ينتج إلا الآلهة وأشباه الآلهة والمصيبة هنا بأن الظالم والمظلوم والحاكم والمحكوم هم من نفس البنية الفكرية والعقائدية فإنك تجد في الشارع الإله المقزوم البسيط إلى تصل إلى المتفرعن على كرسي الحكم أما الفترة الوحيدة التي ظهرت انتعاش ثقافي محدود في هذه المنطقة فكان في عهد – المأمون – الذي تبنى فكر المعتزلة وترجم فلسفة الإغريق ولكن تلك الفترة لم يدم طويلا حيث بدأ – المتوكل – بإحراق كل الكتب المترجمة واعتبرها بدعة وضلالة وتآمر على الدين الإسلامي ومازال نظرية المآمرة هي المتداولة بيننا فنحن نقتل بعضنا البعض ونقول بأن ذلك بفعل التآمر الخارجي !!!! – وما ساد بعد ذاك فكان فكرا قمعيا حَرَم الفلسفة وحارب الفلاسفة والمفكرين وخيم تاريخ مظلم ومستبد عبر تحالف عضوي بين السلطة السياسة والسلطة الدينية امتد من عهد المتوكل وحتى سقوط الدولة العثمانية. – ناهيك بان الفكر الفلسفي لم يكن له أي جذور في تلك المجتمعات وأن ظهور قلة من الفلاسفة لم يكن لهم أي تأثير يذكر بسبب البنية الفكرية السائدة بل كانوا منبوذين من قبل الناس فقد كان ابن الرشد يرجم بالحجارة من قبل الأطفال وأحرق كل كتبه في غرناطة …
وبعد هذا الظلم والظلام الطويل قد ظهر ثانية الفكر الفلسفي في القرن العشرين من خلال الجامعات والمدارس ولكنه كان فكراً بدون جذور فلم يكن له أي حامل اجتماعي يتفاعل معه فكان نشاطاً نخبويا اقتصرت على النخبة وليس للمجتمع الذي كان يحمل فكراً يناقض هذا الفكر. زد على ذلك فقد ظهر هوة واسعة بين المفكر والسياسي هذا الأخير الذي كان يستثمر في تخلف الشعب المسكين من اجل مصالحه ويمارس استبداده وظلمه كأسلافه من الملوك المتألهين والطغاة وقاطعي الرؤوس صفوة القول هنا هو إن ظاهرة الاستبداد لن تزول إلا بإزالة الثقافة والفكر التي ينتجها والاستبداد هو الاستبداد ولا فرق بين مستبد كردي وآخر عروبي