• الإثنين , 25 نوفمبر 2024

روسيا تنافس إيران على النفوذ في حلب.. الأسباب والأساليب والتوقيت

خالد الخطيب

موقع تلفزيون سوريا:26/3/2021

تتوجه الأنظار الروسية في الآونة الأخيرة إلى الشمال السوري، وإلى حلب خاصة بحكم موقعها الجيوسياسي المستجد تبعاً لخريطة السيطرة، ويبدو التوجه المفترض جزءاً من النشاط الروسي العام في سوريا والذي أصبح أحد أهم أهدافه أخيراً حماية النظام من الانهيار بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف به، فمساعدة النظام على البقاء بالنسبة لروسيا تعني بالضرورة صيانة للنفوذ وللمكتسبات والاستثمارات الروسية، والهيمنة طويلة الأمد.

وعلى خطى إيران في سوريا، بدأت روسيا التوسع في أنشطتها وتكريس سياسة التغلغل بالاعتماد على مجموعة من العوامل (الديموغرافية والأيديولوجية والاقتصادية والثقافية) وذلك مع مراعاة الاختلاف والتباين بين منطقة وأخرى، فالعامل الأيديولوجي الذي كان الوجه البارز في التحركات الروسية في المناطق المسيحية (الأرثوذكسية) شمالي حماة لا يمكن تطبيقه في حلب مثلاً.

الدخول العسكري

شنت المقاتلات الحربية الروسية أولى غاراتها الجوية على حلب في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015، حينذاك كانت رحى المعارك تدور على أشدها في الريف الجنوبي بين فصائل المعارضة السورية من جهة، وقوات النظام والميليشيات الإيرانية من جهة ثانية، وكانت ميليشيات الأخيرة تزيد على 20 ميليشيا طائفية (محلية وأجنبية)، ولها النفوذ المطلق والانتشار العسكري الأوسع في حلب.

واقع فرض على القوات الروسية صاحبة الانتشار المحدود التخلي عن قيادة العمليات البرية لصالح الميليشيات الإيرانية، والتي حظيت بدعم جوي روسي هائل، وفي قطاع التسليح البري كالدبابات الروسية من طراز T90.

الجالية الروسية

بعد عام تقريباً من الدخول العسكري المباشر، أصبح للقوات الروسية والشركات الأمنية التابعة لها عدد من المقار والثكنات العسكرية في حلب، من أهمها (ثكنة المهلب وكتيبة المدفعية)، واستقدمت إلى المدينة عدداً من الألوية من تشكيلات “جيش النظام” التي بدأت بدعمها وتدريبها، ومثالها (الفرقة 11 مدرعة والحرس الجمهوري والفرقة السابعة)، كما دخلت لأول مرة ميليشيات رديفة تدعمها روسيا ظهرت باسم “قوات النمر”، التي يتزعمها سهيل الحسن.

النفوذ العسكري الروسي المتنامي في حلب ساعد في استحواذ القوات الروسية على قيادة العمليات البرية والجوية بشكل مباشر في العام 2016 والتي انتهت بخروج المعارضة من الأحياء الشرقية نهاية العام ذاته، وكانت العمليات التي انخرطت فيها الميليشيات الإيرانية بقيادة “اللواء زيد صالح”، الذي كان حينذاك يشغل منصب رئاسة اللجنة الأمنية والعسكرية في حلب، ويساعده في غرفة العمليات زعيم “قوات النمر”، سهيل الحسن، وكلاهما محسوبان على القوات الروسية.

اللواء زيد صالح وسهيل الحسن في الراموسة بحلب

وبالتزامن مع العمليات العسكرية الواسعة ضد المعارضة في العام 2016 بدأ تركيز وسائل الإعلام الروسية على ما يسمى “الجالية الروسية” في حلب، والتي يزيد عددها على سبعة آلاف شخص بحسب زعمها، وبدأ الترويج للأنشطة غير العسكرية التي تقوم بها القنصلية الروسية في حلب، من حفلات وولائم طعام لأبناء الجالية، وتوزيع مساعدات إغاثية شملت في بعض الأحيان قطاعاً من المجتمع المحلي في المدينة، كما ادعت روسيا بأن دخول المعارضة إلى حلب تسبب في إلحاق الضرر البالغ لأبناء الجالية، وهجرت أكثر من 70 في المئة منهم.

وبشأن الجالية الروسية في حلب، قال المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة إن حلب كانت تضم قبل انطلاق الثورة السورية “عدداً من الخبراء والضباط الروس وعائلاتهم، وهؤلاء كانوا يعملون مدربين وفنيين في الكليات العسكرية وكان القسم الأكبر منهم يقيم في الحي الأول في الحمدانية، وتضم الجالية أيضاً عدداً من التجار وزوجات الخريجين من الجامعات الروسية من عسكريين ومدنيين وعاملين في بعض المرافق الحيوية في قطاعات الطاقة والسدود”.

وأضاف العقيد حمادة لموقع تلفزيون سوريا، أن “الوجود الروسي في حلب قبل الثورة لا يمكن مقارنته بالوجود الحالي، فالروس الآن يعملون على التوسع والتغلغل في مختلف القطاعات، وحلب باتت واحدة من وجهاتهم المفضلة، ولذا فإن أعداد الجالية الروسية في زيادة مستمرة وذلك بالتوازي مع توسع الاستثمارات”.

وأشار العقيد حمادة إلى أن “التحركات والأنشطة الروسية في حلب تختلف عن الأنشطة التي تقوم بها إيران بشكل مباشر وعبر وكلائها، وذلك من ناحية الأدوات والوسائل، وبالرغم من طغيان النفوذ الإيراني في حلب بحسب ما هو ظاهر، فإن الروس أصبح في إمكانهم أخيراً الدخول في منافسة عبر بناء تحالفات محلية اقتصادية وعشائرية وعسكرية”.

التوسع وبناء التحالفات

في مطلع العام 2017 أنشأت روسيا “الفرقة 30 حرس جمهوري” وأوكلت لزيد صالح رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في حلب قيادة الفرقة إلى جانب العميد مالك عليا في قيادة الأركان، وقاد زيد صالح وسهيل الحسن عمليات التوسع البري على حساب “تنظيم الدولة” في الريف الشرقي وصولاً إلى مناطق جنوبي الرقة، وفي أيلول/سبتمبر من العام 2017، دشن محافظ حلب، حسين دياب، نصباً جديداً وسط مدينة حلب تخليداً “لذكرى قتلى الجيش الروسي”، وحضر الافتتاح الجنرال الروسي رئيس لجنة المصالحة الروسية السورية، إيغور إيميليانوف، بالإضافة إلى عدد من مسؤولي النظام في حلب.

ووضع النصب في دوار التلفون الهوائي، في حي السليمانية، على بعد أمتار من مقر فرع الأمن السياسي في حلب.وشهدت حلب في العامين 2017 و 2018 حالة من التنافس والصدام الروسي الإيراني، وبدا الصدام أكثر حدة في العام 2019 بعد أن انتقل “لواء القدس” من الدعم الإيراني إلى الدعم الروسي، وخلال هذه الفترة أصبح للقوات الروسية في حلب وجود عسكري مباشر وعبر الوكلاء من الميليشيات التي تدعمها في أكثر من 20 موقعاً ومعسكر تدريب، وفي العام 2020 أجبرت القوات الروسية الميليشيات الإيرانية على إخلاء الأكاديمية العسكرية في الأحياء الغربية، وجزء كبير من المباني السكنية في حي الحمدانية، وأعيد تشغيل الأكاديمية التي قبلت الدفعة من الطلاب في كلياتها الأربعة بعد توقفها في العام 2013، وكان ذلك بإشراف قائد الفوج 47 للإنزال الجوي العميد علي غريب، ورئيس فرع العلوم الأساسية في الأكاديمية العميد غياث حمود.

المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور قال لموقع تلفزيون سوريا، إن المراقب للأحداث في سوريا يستنتج بوضوح أن “الروس والإيرانيين أكثر تمسكاً بمكتسباتهم التي حققوها على مدى أعوام من القتال إلى جانب نظام الأسد في حربه على الثورة، وهم يعملون على تكريس هذه الهيمنة لتصبح واقعاً طويل الأمد عبر العديد من الوسائل والأدوات التي تستهدف البنية الديموغرافية والاقتصادية والثقافية السورية”.

وأضاف العقيد بكور “منذ بداية العام 2021 كثفت روسيا من تحركاتها في حلب، وعززت وجودها العسكري في مناطق التماس مع المعارضة في منطقة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي (شعالة)، وامتد انتشار التشكيلات (الفيلق الخامس والفرقة 25 مهام خاصة) التي أرسلتها نحو المنطقة إلى المناطق المقابلة لخطوط التماس بين قوات سوريا الديموقراطية والنظام في منبج، وبدا التحرك الذي قلل من نفوذ وانتشار الميليشيات الإيرانية في المنطقة على ارتباط مباشر بالرغبة الروسية في التحكم بالطرق والممرات المنتشرة على طول خط التماس بين مناطق السيطرة المختلفة، ومن ثم التحكم بعمليات التبادل التجاري (عبر ممرات التهريب والطرق الرسمية)”.

القصف الروسي المتكرر على محطات تكرير النفط البدائية ومعبر الحمران الواصل بين قسد والمعارضة قرب الباب يندرج أيضاً في إطار سياسة فرض الهيمنة على طرق المواصلات وعمليات التبادل وتجارة النفط ونقله، ويبدو أن تعزيز الحضور العسكري للنظام والمدعوم من روسيا في عين عيسى شمالي الرقة وعلى الطريق إم4 الواصل بين حلب والحسكة يندرج في الإطار ذاته إذا ما أضيف إليه التحالف الجديد بين روسيا و(مجموعة قاطرجي الدولية) التي يتزعمها عضو مجلس الشعب حسام قاطرجي، وهو بمنزلة الانتقال العلني للمجموعة من “الحضن” الإيراني إلى “الحضن” الروسي الذي بات متحكماً بشكل فعلي بالطرق وخطوط التماس وبقطاع واسع من مصادر الثروة الباطنية (النفط والفوسفات والغاز والملح والمعادن).وتشكل حلب التي تعتبر أهم معقل لمجموعة “القاطرجي” والميليشيا التابعة لها، نقطة التقاء طرق التجارة والتبادل ونقل النفط من حقول جنوبي الرقة ومناطق شمال شرقي سوريا، والبضائع القادمة من تركيا عبر مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وريف حلب.

التحالف المفترض بين روسيا ومجموعة “القاطرجي” يمنح الأخيرة فرصة الاستفادة من قطاع النفط (النقل والاستخراج وحماية القوافل) والتي ستتولى عملياته “شركة أرفادا البترولية” إحدى شركات المجموعة التي أعلن عن تأسيسها في العام 2018، وفي المقابل تتعهد المجموعة بحماية وتحقيق المصالح الروسية في حلب خاصة وعموم مناطق الشمال السوري وضمان ولاء القطاع التجاري النشط في حلب بعد أن هيمنت المجموعة على غرفة التجارة في حلب قبل أشهر قليلة.

ويضمن التحالف المفترض أيضاً المساعدة في إنشاء تحالفات عشائرية تخدم المصالح الروسية وتخلق التوازن في المجتمع العشائري الحلبي الذي حازت إيران على معظمه عن طريق “لواء الباقر”، ففي 15 آذار/مارس 2021 زار براء قاطرجي وهو المتحكم الفعلي بالذراع التنفيذية للمجموعة مضافة آل بري في حلب، والتي جمعت وجهاء عشائر ووفداً من عشائر حماة ومجلس المحافظة فيها، ووفداً من “لواء القدس”، وسبق أن التقى عضو مجلس الشعب حسن بري بقائد ميليشيا “قوات النمر” سهيل الحسن في حلب، وذلك في 1 آذار/مارس الحالي.

مقالات ذات صلة

USA