سمير صالحة موقع تلفزيون سوريا:5/2/2023
أعلنت تركيا عن سياسة سورية جديدة لا بد منها للخروج من وضعية الجمود والانسداد في الملف السوري. من تنسيق الجهود مع روسيا اللاعب الأول والأهم والشريك التركي في أستانا وسوتشي، بفتح قنوات الحوار المباشر مع النظام في دمشق بدعم وتشجيع من موسكو.لم تختر أنقرة الوساطات والمبادرات الإيرانية لذلك غابت طهران عن الحراك الثنائي الجديد.
الطرفان التركي والروسي يدركان دقة المرحلة وحساسية التوازنات المحلية والإقليمية حيال إيران في الإقليم. أغضب ذلك طهران ودفعها لرفض تهميش دورها عبر رسائل مباشرة حملها وزير خارجيتها حسين عبد الأمير اللهيان إلى أنقرة وموسكو، وهما يستعدان لترتيب اللقاء الثلاثي على مستوى وزراء الخارجية بعد اجتماعات وزراء الدفاع فظهر أن الضغوطات الإيرانية وصلت إلى ما تريد.
يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه يمكن ضم إيران إلى المباحثات الثلاثية بين بلاده وروسيا وسوريا، بهدف الوصول إلى الاستقرار شمالي سوريا. لكن موضوع ترتيب طاولة حوار جديد تجمع أطراف أستانا الثلاثة جنبا إلى جنب مع النظام في دمشق يقلق العديد من اللاعبين المحليين والإقليميين.
يواجه النظام في دمشق أكثر من أزمة سياسية أمنية اقتصادية في الداخل والخارج. وتتمسك أنقرة بالقرار 2254 وتدعم تحرك المساءلة القانونية والسياسية للنظام في ملف استخدامه للأسلحة المحرمة ضد المواطنين السوريين. ثم هناك العلاقات التركية التي تحسنت مع العديد من دول المنطقة. إلى جانب الكثير من الاعتراضات على طاولة من هذا النوع تعيد للنظام ما فقده محليا وإقليميا. لكن التحاق طهران بالمنصة وإصرارها على الوجود أمام الطاولة السورية والترحيب بها من قبل موسكو وأنقرة حمل معه العديد من التساؤلات المصحوبة بالكثير من القلق حيال ارتدادات ما يجري.
من الذي سيدعم إقليميا تحركا من هذا النوع وسط التصعيد الأميركي الإسرائيلي الأوروبي ضد طهران؟ وفي إطار أي سيناريو سيدور الحوار بين أنقرة والنظام؟ “قسد” مسألة تعني واشنطن قبل غيرها في سوريا، فهل سيكون بمقدور الطاولة الرباعية التفاهم حول هذه المسألة وحسمها دون واشنطن؟ وهل تثق أنقرة بطاولة حوار من هذا النوع تفرض طهران نفسها عليها بالقوة ويتساءل النظام على لسان وزير خارجيته فيصل المقداد عن الذي كان سيحل به لولا الدور والدعم الإيراني؟ لا بل ما هي مصلحة أنقرة في إنقاذ بشار الأسد وتوتير علاقاتها مع الإقليم لصالح إرضاء إيران والنظام في دمشق؟كان هدف أنقرة وما زال جر واشنطن إلى طاولة حوار ثلاثية مع روسيا.
فهل تراجع الخيار التركي هذا لصالح “منصة” إقليمية جديدة يرفضها أكثر من لاعب إقليمي ودولي؟ وهل سيكون بمقدور الطاولة الرباعية أن ترسم مسار تفاهمات تعني أطرافا أخرى مؤثرة في الملف السوري لكنها غائبة عن المشهد؟ ثم كيف سيكون شكل العلاقة بين أنقرة وحليفها السوري الذي قبل بطاولة حوار تركية مع النظام بمشاركة روسية لكنه يجد اللاعب الإيراني هو من يجلس كطرف رابع؟حراك أنقرة وموسكو ليس مفاجأة وكان متوقعا منذ البداية. تحويل الحوار من ثنائي إلى ثلاثي مع النظام في دمشق يجري برغبة تركية روسية في محاولة للخروج من الانسداد الحاصل. مصالح تركيا وروسيا تتطلب مثل هذا الشكل الجديد من الحوار رغم صعوبة الإجابة على سؤال هل ستحمل هذه التوافقات الجديدة حلحلة سياسية تخدم مصالح الشعب السوري وتنهي معاناته؟ لكن هناك حقائق ومعطيات كثيرة تقول إن مثل هذه الطاولة يحتاج إلى قبول وتفهم ودعم إقليمي ودولي للحراك التركي وهو غير متوفر اليوم.
وإن الجلوس أمام طاولة حوار رباعية من هذا النوع لا يمكن أن يكون هدفا نهائيا لتركيا في التعامل مع الملف السوري، بل وسيلة تفتح الطريق أمام ما دعمته دائما وتبنته على أساس المرحلة الانتقالية السياسية في سوريا وتسهيل عودة اللاجئين وتطهير المناطق الحدودية في شمال سوريا من الإرهاب.
مهمة الطاولة الرباعية ستكون اجتراح المعجزات لأن أنقرة ستأخذ بعين الاعتبار حتما:
_أن جلوسها أمام طاولة بتركيبة جديدة من هذا النوع لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار مسار التحول في سياستها الخارجية التي تبنتها في العامين الأخيرين وانفتاحها على العديد من العواصم العربية والإقليمية.
_أن واشنطن قادرة على نسف أية تفاهمات سورية لا تأخذ بعين الاعتبار ما تقوله وتريده. وأنه لن يكون في مصلحتها الوجود أمام موقف حساس من هذا النوع مع الشريك الأميركي في هذه المرحلة.
_أن محاورة النظام أمام شريكي أستانا قد ينهي آلية أستانا وسوتشي معا ويلزمها بمسار رباعي يحاصر خطتها السورية الهادفة لتسهيل المرحلة الانتقالية في سوريا وتفعيل القرارات الأممية.
_وأن إرضاء طهران قد يعقد المسار الجديد في علاقاتها مع العديد من دول المنطقة وفي مقدمتهم دول الخليج وإسرائيل.
_وأن التحرك المصري الأخير باتجاه الملف السوري ترجمة عملية لمواقف العديد من الدول العربية التي يقلقها إعادة إحياء الدور الإيراني المتراجع في الإقليم عبر البوابة التركية.
_وأن تركيا ستدخل بعد أسابيع أجواء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ولا مصلحة للحكم أو المعارضة في التقاط صورة تذكارية مع بشار الأسد وسط التصعيد الإقليمي والدولي الجديد ضد النظام في دمشق.
أعرب نائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، عن استعداد موسكو لمساعدة النظام السوري في تطبيع علاقاته مع جيرانه في الشرق الأوسط، بما فيها تركيا، مؤكداً على”الدور الريادي لمنصة أستانا”. ودعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لمواصلة عقد اللقاءات بين تركيا وروسيا والنظام السوري بمشاركة إيران، بهدف الوصول إلى الاستقرار شمالي سوريا.
بالمقابل تؤكد أنقرة بأن المفاوضات والبحث عن الحلول السياسية تجري في إطار تفعيل القرار الأممي 2254، وتعلن عن تمسكها بمسؤولية النظام في استخدام الأسلحة المحرمة ضد المدنيين السوريين وضرورة مساءلته.
تريد القيادة التركية التمسك بورقة موسكو في سوريا، لكنها تريد أيضا حماية علاقتها مع الغرب والإقليم الذي دخل في مرحلة المزيد من التصعيد ضد إيران وهي وضعية صعبة اليوم. نتائج الانتخابات التركية المصيرية التي ستجري بعد 4 أشهر قد تساعد في الإجابة على كل هذه التساؤلات.
كتب لي المتابع الدقيق الأستاذ طلال الجاسم معقبا عبر الفيسبوك على السيناريوهات السياسية الجديدة التي نتحدث عنها في مسار المشهد السوري “من الواضح أن شيئا في مسار التسوية السورية لم ينضج بعد، لا بين موسكو وأنقرة ولا بينهما وبين طهران، ولا خطة واضحة من واشنطن، نحن كسوريين نتمنى أن يوضع مسار التسوية السورية على السكة، هناك إمكانيات للتنازل بين الأطراف لإدارة الأزمة لكن مع الأسف الشديد يبدو هذه الإمكانيات غير موجودة لإيجاد حل سياسي دائم ومقبول بالحدود الدنيا من السوريين”.
هل هناك من يطالب السوريين بالمزيد من التضحيات وبتقديم تنازلات إضافية لإرضاء اللاعب الإقليمي ولمساعدته في طرح الحلول والتسويات التي تسهل له هو الخروج من محنته في سوريا؟