كتب خيرالله خيرالله /سوريتنا
من الباكر الكلام عن انتصار حققه النظام السوري عبر عودته إلى شغل موقع “الجمهوريّة العربيّة السوريّة” في جامعة الدول العربيّة. لم يُقدم النظام على أيّ خطوة تشير إلى أي تغيير في مواقفه، بما في ذلك في مجال تصنيع الكبتاغون والمخدرات بأنواعها المختلفة وتهريبها إلى دول الخليج العربي وأوروبا عبر الأردن وطرق أخرى، يبنها موانئ سوريّة ولبنانيّة. إلى ذلك، يهرّب النظام أسلحة إلى الأردن في ظلّ جهود تبذل لتحويل الجنوب السوري قاعدة عسكريّة لإيران وميليشياتها.
في البدء، ما قيمة جامعة الدول العربيّة ودورها في السنة 2023 وأين العمل العربي المشترك؟ ما دور الجامعة في السودان الذي دخل بداية مرحلة التفتت وقبل ذلك في اليمن الذي تشظّى؟ الأهم من ذلك كلّه، متى كانت للنظام السوري مساهمة إيجابيّة من أي نوع في أي عمل عربي مشترك؟ تظلّ مفيدة في كلّ يوم وكلّ ساعة العودة إلى التاريخ القريب بغية التأكّد من أن النظام السوري القائم لم يُقدم يوماً على عمل ما يشير إلى أنّ في استطاعته أن يتغيّر… أو أن يكون جزءاً من مشروع عربي ناجح.من أفضل ما حصل في القمة العربيّة الأخيرة في جدّة، دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي إلي حضورها. ألقى زيلنسكي كلمة لم يوفّر فيها بشّار الأسد، كحليف لفلاديمير بوتين، وإن لم يأتِ على ذكره بالاسم.
في النهاية، حضر القمة عالمان لا علاقة لأيّ منهما بالآخر، عالم الرئيس الأوكراني وشعبه المقاوم للإحتلال الروسي… وعالم رئيس النظام السوري الذي يفتخر بانتصاره على شعبه ويرفض الإعتراف بأن بلده صار تحت خمسة احتلالات هي: الإسرائيلي والإيراني والتركي والروسي الأميركي.
حبذا لو كان النظام السوري يستطيع التصالح مع الواقع بدءاً بالإعتراف بأن الإنتصار على الشعب السوري ليس انتصاراً وأنّه لا يمكن ان يكون لديه أي مستقبل، عاد إلى جامعة الدول العربيّة أم لم يعد.
كلّ ما في الأمر أن النظام السوري القائم الذي رفض دائماً عمل أي شيء من أجل استرجاع هضبة الجولان المحتلّة منذ الخامس أو السادس أو السابع من حزيران (يونيو) 1967 لا علاقة له، لا بما يدور في الداخل السوري ولا في المنطقة ولا في العالم. يؤكّد ذلك رفضه التعاطي مع القرار الرقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أواخر العام 2015. إلى اشعار آخر لا وجود لقرار آخر معتمد أوروبياً واميركياً كأساس للتوصل إلى تسوية سياسيّة في سورية.
تبدأ هذه التسوية بـ”مرحلة انتقالية” وصولاً إلى انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة.في قمّة جدّة، كان عالم فولوديمير زيلنسكي الذي انتقل من جدّة إلى هيروشيما ليجتمع بقادة الدول الصناعيّة الغربيّة الكبرى وليحصل منها على دعم في مواجهة الحرب التي يشنها الرئيس الروسي على بلده. كان خطابه يعكس بين ما يعكسه شعوره بمعاناة الشعب السوري وتطلعاته. في قمّة جدّة، أيضاً، كان بشّار الأسد يلقي كلمة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّ لا علاقة لها بالواقع السوري والعربي والإقليمي والدولي.
في قمّة جدّة وجد عالمان لا علاقة لأيّ منهما بالآخر. ليس معروفاً كيف يمكن التوفيق بينهما، لكنّ الأكيد أن المملكة العربيّة السعوديّة أثبتت من خلال القمّة أنّها على تواصل مع ما يدور في العالم من أحداث.
يشمل ذلك في طبيعة الحال الحرب الأوكرانيّة التي لا يمكن اأن تنتهي بانتصار روسي بغض النظر عن كلّ الدمار الحاصل. يعود ذلك إلى سبب في غاية البساطة هو أن انتصار فلاديمير بوتين في أوكرانيا يعني سقوط أوروبا.
مثل هذا السقوط ممنوع، أقلّه اميركياً، كونه يعني عودة إلى ما هو أسوأ من مرحلة ما قبل سقوط جدار برلين في خريف العام 1989… وهو سقوط حرّر دول أوربا الشرقية من الاستعمار السوفياتي من جهة وسمح بإعادة توحيد ألمانيا من جهة أخرى.
ليس في الإمكان الجمع بين عالمين لا علاقة لأحدهما بالآخر. هناك بين العرب من فهم ذلك باكراً وراهن على كلّ ما له علاقة بالتطور والانتماء إلى كلّ ما هو حضاري على الكرة الأرضية. تظلّ تجربتا أبوظبي ودبي رائدتين، في اطار دولة الإمارات وفي سياق الفكر الطليعي لمؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
في المقابل، هناك من لا يزال يعتقد أنّ في الإمكان العيش في ظلّ الشعارات الرنانة والانتصار على شعبه معتمداً القمع والبطش ولا شيء آخر غير ذلك.من هذه الزاوية، زاوية وجود عالمين مختلفين، كانت قمة جدّة مهمّة، بل في غاية الأهمّية.
كشفت بين ما كشفته أنّ الأكثريّة العربيّة مهتمة بمصير الشعب السوري ولديها حرص على سوريا… أمّا حرصها على النظام، فهو نابع من الحرص على الشعب السوري.
فتحت الأكثريّة العربيّة أبواب جامعة الدول العربيّة أمام بشّار، لعلّ ذلك يساعد في التخفيف من المأساة السوريّة وليس من زاوية حماية نظامه…سيبقى السؤال الذي سيطرح نفسه في كلّ وقت هل الشعب السوري ورفاهه يشكلان همّاً للنظام أم أنّ المهمّ الوحيد بالنسبة إليه يتمثّل في البقاء في دمشق بغض النظر عن الثمن الذي يتوجب دفعه لإيران وغير إيران؟.
المصدر : موقع “النهار العربي”