غازي دحمان
العربي الجديد:14/1/2021
جرت العادة أن تمهّد روسيا للإجراءات التي تعتزم القيام بها في سورية، عبر منابرها الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، بغرض جعل الأمر المراد إجراؤه يتحوّل، مع الزمن، إلى مسألة قابلة للأخذ والرد في مرحلةٍ أولى، ثم تحويلها إلى قضيةٍ ممكنة، وعندما تصبح في هذا المجال تنبري دبلوماسيتها إلى تبنّيها، وثم يقرها الكرملين نهائياً.
يبدو أن روسيا حرقت جميع تلك المراحل في مسألة إعادة تجديد الحكم لبشار الأسد، وبدأت بتبنّي التجديد ومطالبة الأطراف الدولية بمباركته، أو على الأقل، عدم معارضته، بذريعة عدم التأثير على الاستقرار وسير عمل المؤسسات في سورية على ما أكّد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، حتى لو لم يتم إقرار دستور جديد وفق مقتضيات تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الخاص بإيجاد حل للأزمة السورية.
وبحسب الرأي الروسي، لا داعي للاستعجال، ولا لتحديد أطر زمنية لنهاية عمل اللجنة الدستورية، فالحل الدائم يستلزم التمهل، حتى يكون مضموناً وراسخاً، وكأن سورية لا تمرّ بأزمة مدمّرة، وأن كل يوم زيادة في تأخير الحل يدفع الشعب السوري ثمنه دماءّ وعذابات، حيث لا حل لقضايا اللاجئين والمعتقلين والمطلوبين للأجهزة الأمنية، كما لا حل للأزمات الطاحنة التي يعاني منها السوريون الواقعون تحت سلطة النظام.والواضح أن ما تريده روسيا، ومن خلفها نظام الأسد، هو تحقيق المكاسب في كل الحالات، بمعنى إجراء الانتخابات التي تضمن فوز الأسد، وفي الوقت نفسه، ادعاء الالتزام بتطبيق القرارات الدولية، ما دامت اللجنة الدستورية تجتمع، من حين إلى آخر، وليس مهماً مضامين نقاشات هذه اللجنة وكيفية سير عملها. المهم أن النظام يرسل وفده لحضور اجتماعاتها. أما متى تتوصل إلى نتائج وحلول، فذلك ما لا ينبغي أن يطالب به المجتمع الدولي، ويلح عليه.
والأصل في مثل هذه الأوضاع أن يصبح الالتزام بتنفيذ القرار الدولي هو الأساس، ما يعني تعطيل أي إجراءٍ مخالف، وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى حين التوصل إلى اتفاق، وإلا فماذا تعني الأزمة؟ ولكن روسيا تتعامل مع الموقف، وكأن تطبيق القرار الدولي ومندرجاته ما هو إلا لزوم ما لا يلزم، أو حتى سقط متاع، باعتبار أن الزمن تجاوزه، وتغيرت المعطيات، إلى درجة أن تطبيقه قد يكون من عوامل عدم الاستقرار، وتخريب ما تم إنجازه لصالح تقدّم سورية واستقرارها!وبعيداً عما تريده روسيا وترغب به ووسائلها في إخراج عملية التجديد للأسد، ما هي خياراتها في مواجهة تداعيات هذا الإجراء، وهل تستطيع تحمّلها؟، ليس سراً أن العالم، في أغلبه، وضع روسيا أمام خيارين:
الالتزام بتطبيق القرار الدولي الخاص بحل الأزمة السورية، بما يعنيه ذلك من تطبيق للسلال الأربع في هذا القرار، أو بقاء سورية بلداً منبوذاً ومحاصراً، وما يعنيه ذلك من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتحول سورية إلى برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة.مؤكّد أن روسيا، التي تمتلك أجهزة مخابرات لديها القدرة على رصد اتجاهات الرأي العام في سورية، التقطت وجود حالة كبيرة من التذمر في أوساط البيئات المؤيدة للأسد في سورية، وفي مناطق الساحل تحديدا، إذ يبدو أن ثمّة قناعة بدأت تترسخ لدى هذه الأوساط باستحالة الخروج من الأوضاع الصعبة التي تعاني منها من دون القيام بإجراءات مؤلمة، وأن الحل لن يهبط من السماء، ولم يعد باستطاعة روسيا ونظام الأسد انتشالهم من واقعهم البائس، كما أن سيطرة روسيا على أكبر قدر من موارد سورية، وبقاء الأسد في السلطة لن يؤمن لهم أوضاعاً أفضل من الحالة التي هم عليها الآن.ولكن، من الظاهر أن روسيا التي تعتبر سورية “درّة تاج” إنجازاتها على الصعيد الدولي، لا تريد الخروج من حالة النشوة التي يضعها فيها هذا الشعور، بل تطمع بتحقيق المزيد والمزيد، فلا تكتفي بما خطّطت لتحقيقه، بل تريد أيضاً تحقيق ما لم تخطّط له بعد، لهذا تبدو إدارتها الأزمة غير منطقية، ولا تتوافق مع المنطق والممكن، في عالم يقوم على الاستقطاب والتنافس والصراع.وليس تنجيماً ولا رغبوية هنا القول إنه سيكون لهذه السياسة انعكاساتها الخطيرة على سورية، أولها جعل التقسيم واقعاً نهائياً وأبدياً يستحيل تغييره، في ظل اختلاف القوى المسيطرة على البلاد وتنوّعها، حيث خطوط القتال تجمّدت، وأصبح تغييرها بالقوّة مغامرة خطرة، ولعبا في توازنات القوى، لا تستطيع روسيا الإقدام عليه. والأخطر تحطّم المجتمع السوري، بقيمه وأخلاقياته، وهبوط قيمة العمل والتعليم والنظام وتدنيها، والبحث عن الخلاص الفردي بأي وسيلة، في ظل انتشار النهب والسطو والخطف والفديات من جهات مرتبطة عضوياً بهيكلية النظام الحاكم، وغير خاضعة، في الوقت نفسه، لأي قانونٍ أو ضابط.
لن تستطيع روسيا فرض عملية تجديد الأسد، فلن يختلف الغد عن اليوم والأمس، وكل ما تفعله روسيا هو زيادة منسوب التدمير والخراب، والظن أن السوريين، بموالاتهم ومعارضتهم، سيقطعون هذه الصيرورة، ولن يتأخروا عن ذلك كثيراً.