عدنان الإمام وأمين العاصي
العربي الجديد:21/10/2022
“اختلطت الأوراق في عفرين، ولم نعد نعرف الى أي جهة تتبع”، يقول أبو حسن الكردي، وهو مدني يعيش في ريف عفرين، في ريف حلب الشمالي، والتي واجهت أياماً وصفها أبو حسن بـ”العصيبة”، على مدى أكثر من أسبوع، حيث اقتحمت أرتال “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) المنطقة بتسهيل ومساندة من فصائل محسوبة على المعارضة السورية.
ويضيف أبو حسن، الذي فضّل عدم الكشف عن كامل اسمه لأسباب أمنية، في حديث لـ”العربي الجديد”: “لا أحد من المدنيين يمكنه التحدث أو حتى السؤال عمّا يجري في منطقتنا. التهم جاهزة لأي شخص يمكن أن يرفع صوته أو يعترض”.”
تحرير الشام” ترضخ للضغوط التركية
وبدأت “هيئة تحرير الشام” أول من أمس الأربعاء، سحب قواتها من عفرين وريفها، رضوخاً كما يبدو لمطالب تركية، إلا أنها أبقت بعض المجموعات الأمنية والعسكرية ضمن الفصائل التي ساندتها في القتال ضد “الفيلق الثالث” التابع للجيش الوطني، مثل “فرقة سليمان شاه” و”فرقة الحمزة” و”حركة أحرار الشام”.
وخلال جولة لـ”العربي الجديد” ضمن مدينة عفرين، تبين أنه لا توجد حواجز داخل مدينة عفرين، إذ تمّت إزالة كل الحواجز من داخل المدينة والإبقاء على الحواجز العسكرية والأمنية على مداخلها وعلى الطرقات الرئيسية التي تربط عفرين بالشمال السوري.
كما أن هناك حاجزاً على طريق بلدة راجو، وعلى الطريق إلى جنديرس، وعلى طريق منطقة عين داره، وطريق كفرجنة. ويوجد أكثر من 10 حواجز محيطة بمدينة عفرين، ويبدو بشكل واضح وجود قوات تركية في بعضها. كما أن الحياة عادت لتدب في أسواق المدينة، مع انخفاض الأسعار التي كانت ارتفعت كثيراً خلال الأيام الماضية، وخصوصاً المحروقات والتبغ.
من جهته، يقول هشام اسكيف، مسؤول العلاقات في “الفيلق الثالث”، أكبر تشكيلات الجيش الوطني المعارض، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه “لا توجد تأكيدات حتى اللحظة يمكن الركون إليها للانسحاب الكامل لهيئة تحرير الشام من المنطقة”، مؤكداً أن “هناك وجوداً أمنياً للهيئة”، وصفه بـ”المستتر”.ويرى اسكيف أن “الهيئة تحاول المراوغة من خلال إلباس عناصرها شارات ورايات فصائل أخرى”. ويشير إلى أنه “يجب العمل حالياً بشكل جدي على الاستجابة لصوت الشارع، وتمكين المؤسسات وخصوصاً العسكرية”.
ويلفت إلى أن “الاتفاق القديم بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام في المنطقة تمّ إلغاؤه بعد تدخل الجيش التركي الذي أعطى لتحرير الشام مهلة حتى صباح (أمس) الخميس للانسحاب من المنطقة بشكل كامل دون أي شروط”، مرجحاً أنه “لن يكون هناك وجود لهيئة تحرير الشام في المنطقة في ظل قرار الشارع الثوري الرافض لوجودها في الوقت الحالي والمستقبلي”، وفق قوله.ويكتنف الغموض المشهد في الشمال السوري بعد سلسلة التطورات الميدانية التي كانت بدأت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، حين اغتيل ناشط إعلامي (أبو غنوم) دلّت التحريات على أن فصيل “فرقة الحمزة” كان وراء تصفيته.
عفرين لن تعود إلى سابق عهدها
واندلعت اشتباكات بين “الجبهة الشامية” عماد “الفيلق الثالث” في “الجيش الوطني السوري”، وبين “فرقة الحمزة” التي استعانت بفصيل “سليمان شاه” و”هيئة تحرير الشام” التي وجدت الفرصة سانحة لتغيير خريطة السيطرة لصالحها واجتياح كامل الشمال السوري الخاضع لفصائل المعارضة.
ودخلت واشنطن على الخط حيث طالبت “هيئة تحرير الشام” بالانسحاب من الشمال السوري، فضلاً عن الغضب الشعبي الكبير لوجودها، وهو ما دفع ربما أنقرة للتدخل وتوجيه إنذار لـ”الهيئة” بالعودة إلى مواقعها في شمال غرب سورية.
وكانت راجت أنباء عن دفع تركي باتجاه تشكيل إدارة مدنية موحدة تشرف على كامل الشمال السوري الخاضع لفصائل المعارضةو”هيئة تحرير الشام”، إلا أن المشروع يصطدم برفض شعبي لأي وجود لنهج “تحرير الشام” المتشدد في ريف حلب الشمالي.
لكن المعطيات الحالية تشير إلى أن الأوضاع في منطقة عفرين لن تعود إلى ما كانت عليه قبل دخول “تحرير الشام” إليها، حيث مكّنت للفصائل المتحالفة معها وخصوصاً لفصيلي “سليمان شاه” و”فرقة الحمزة” وهما من الفصائل ذات السمعة السيئة في التعامل مع المدنيين وممتلكاتهم.
وفي هذا الصدد، يرى المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هيئة تحرير الشام حققت أهدافها من خلال تعزيز علاقتها مع فصيلي “سليمان شاه” (العمشات)، و “الحمزة” (الحمزات)”، مضيفاً أن “ما جرى وسّع الهوة بين هذين الفصيلين والجبهة الشامية”.
ويقول فرحات: “استعرضت الهيئة قوتها لإرسال رسالة مفادها أنها قادرة في أي وقت على دخول مناطق فصائل المعارضة، وفرض شروطها”.
ويعرب المحلّل العسكري عن اعتقاده بأن “تركيا لا تريد وجوداً للهيئة في شمال سورية، والهيئة مصنفة من قبل أنقرة بأنها منظمة إرهابية”.
وجاء إعلان “الهيئة” سحب أرتالها من مدينة عفرين وريفها محاولة لتجنّب استفزاز الجانب التركي الذي يبدو حريصاً على إبقاء منطقتي “غصن الزيتون” (عفرين وريفها في شمال غرب حلب)، و”درع الفرات (ريف حلب الشمالي) خارج دائرة الاستهداف الجوي الروسي تحت ذريعة وجود إرهابيين.
وفي هذا الإطار، يصف النقيب المنشق عن قوات النظام، الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام”، رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، الموقف التركي حيال الأحداث في شمال سورية بـ”الحازم”.
ويعرب حوراني عن اعتقاده بأن المنطقة أمام سيناريوهين: الأول، تشكيل مؤسسة عسكرية تتمتع بالمركزية والقدرة على إدارة الملفات من خلال استثمار وتوظيف الكفاءات العسكرية صاحبة الخبرة. ويوضح أن السيناريو الثاني، هو استمرار تخفي “هيئة تحرير الشام” تحت غطاء فصائل متحالفة معها، ما شأنه زيادة التوتر في المنطقة.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو في حديث مع “العربي الجديد”، أن أنقرة “لا تريد التدخل في المسائل الخاصة بفصائل المعارضة السورية في الشمال السوري، طالما لم تتجاوز الخطوط الحمراء”، مضيفاً أنها “تريد إدارة موحدة في الشمال، لكنها لا تسعى في هذا الاتجاه كي لا يكون سبباً لتقسيم البلاد، ولكن اعتقد أن الأمور بين الفصائل ستبقى ضمن هذا الإطار ولن تتوسع أكثر”.
وتلقى الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا ضربة تُوصف بـ”المؤثرة” بعد فشله في حماية منطقة عفرين، بل إن كامل الشمال السوري كان مهدداً، لولا خروج الشارع في تظاهرات حاشدة رافضة لأي وجود لـ”هيئة تحرير الشام” التي وجدت نفسها مضطرة للتوقف كي لا تواجه الغضب الشعبي في مدن وبلدات ريف حلب.
وارتفعت الأصوات التي تطالب بخروج الفصائل من المدن والبلدات وتفعيل دور الحكومة السورية المؤقتة للتخفيف من معاناة الملايين الذين يعيشون في ظروف هي أقرب إلى “الكارثية”.