العربي الجديد /
جدد التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” التزامه بدعم “قوات سورية الديمقراطية” والمعروفة اختصاراً بـ”قسد”، والتي خاضت على مدى سنوات حرباً بدعم من هذا التحالف ضد التنظيم حتى طردته من شمال شرقي سورية، ما جعل منها لاعباً عسكرياً وسياسياً بارزاً في المشهد السوري.
لكن هذه القوات لم تتوقف عند حدود القتال ضد “داعش”، إذ كبرت مطامعها وكرست سلطاتها على مناحي الحياة كافة في مناطق نفوذها، وليس الاجتماع السنوي لمجالس “قسد”، الذي عقد أول من أمس الأحد، بمشاركة التحالف الدولي، إلا دليلاً على مدى سعي هذه القوات لتكريس وجودها كلاعب لا يمكن تخطيه في أي معادلة لحل الأزمة السورية.
وعقد الاجتماع في مدينة الحسكة، بمشاركة قادة القوات والمجالس العسكرية في “قسد”، ووفد من التحالف الدولي، ومسؤولي “الإدارة الذاتية”، وبحث “التطورات الميدانية والعسكرية والسياسية التي تشهدها سورية والمنطقة، وعمليات مكافحة الإرهاب وسبل ترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيز النمو الاقتصادي في شمال وشرق سورية”، وفق ما ذكر البيان الختامي للاجتماع.
وأضاف البيان “كما بحث المجتمعون وضع المناطق المحتلة من قبل تركيا والمواقف العدائية التي يتخذها النظام تجاه شمال شرق سورية”. ودعا المجتمعون النظام إلى “ضرورة المساهمة في إيجاد حل دائم للأزمة السورية والتفاوض مع الإدارة الذاتية على مبدأ الاعتراف بهذه الإدارة والقبول بخصوصية قوات سورية الديمقراطية”.
كالفيرت: هناك ثلاثة أنواع من النجاحات التي حققها التحالف مع قسد
ويواصل التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” التعويل على “قسد”، إذ أكد قائد قوات هذا التحالف، الجنرال بول تي كالفيرت، في كلمة له خلال مشاركته في الاجتماع، أول من أمس الأحد، أنّ “الشراكة بين التحالف وقسد مستمرة، من أجل القضاء على داعش”. وأضاف أنّ “داعش انتهى جغرافياً، ولكن الشراكة مع قسد مستمرة حتى هزيمة التنظيم نهائياً”.
واعتبر قائد التحالف الدولي في كلمته، أن “هناك ثلاثة أنواع من النجاحات التي حققها التحالف مع قسد، وهي: حماية مخيمات النازحين والسجون حيث يحتجز عناصر تنظيم داعش، ورفع الوعي الدولي بشأن المشاكل التي يواجهها الناس في شمال شرق سورية، بالإضافة إلى تمكين قسد للاستمرار في مكافحة داعش”.
من جانبها، أكدت “قسد” في البيان الختامي لاجتماع مجالسها، أنّ “تنظيم داعش لا يزال يتصدر قائمة المخاطر التي تهدد سكان شمال شرقي سورية والعالم الحر”، مؤكدةً أنها “مستمرة في استئصال خلايا التنظيم بالتعاون مع التحالف الدولي”.
بدوره، أوضح رياض درار، الرئيس المشترك لمجلس سورية الديمقراطية (مسد)، وهو الجناح السياسي لـ”قسد”، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ هذه القوات “تقيم مؤتمراً سنوياً تجدد فيه السياسات، وتقرأ كل ما جرى من أحداث في عام سبق”. وأكد أنّ “قسد تواصل عملها في ملاحقة خلايا تنظيم داعش، التي زاد عددها في الآونة الأخيرة”، مشيراً إلى أنّ “الحرب لا تزال مستمرة من قبل أطراف تابعة للجانب التركي وللنظام السوري”.
وتابع “هذه الأمور تحتاج دائماً إلى رسم سياسات جديدة لمواجهتها”. وبيّن أنّ “قسد تقوم برسم سياسة أخرى، من أجل أن تكون بميزات جديدة مختلفة، من خلال التعلّم من الدروس العسكرية”، مضيفاً: “نحن راضون عن نتائج الاجتماع، ولدينا أمل بمزيد من التقدم والتطوير، لتكون قوات قسد رائدة ومنظمة”.
وكان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قد أعلن في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015، عن تأسيس “قوات سورية الديمقراطية” من اتحاد مجموعة من الفصائل العربية والكردية والتركمانية والآشورية في شمال شرقي سورية، لمواجهة تنظيم داعش الذي كان في ذاك العام في ذروة قوته. وأسندت رئاسة “مجلس سورية الديمقراطية” إلى المعارض السوري هيثم مناع، والذي سرعان ما أعلن في بداية عام 2016 انسحابه من هذا التحالف، بسبب إعلان الأكراد عن نظام فدرالي في مناطق سيطرتهم بشمال سورية، في خطوة رفضها النظام والمعارضة على حد سواء.
ويهيمن الأكراد على “قسد” من خلال وحدات حماية الشعب التي تعد النواة الصلبة لهذه القوات منذ تأسيسها.
وتسيطر “قوات سورية الديمقراطية” على نحو ثلث مساحة سورية، حيث تقع أغلب مساحتي محافظتي الرقة والحسكة تحت سيطرتها، إضافة إلى نصف محافظة دير الزور، وجانب كبير من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرقي نهر الفرات، مع مدينتي منبج وتل رفعت وبعض ريفهما، غربي النهر.
وتعد المنطقة التي تسيطر عليها “قسد” والتي يشكل العرب غالبية سكانها، الأكثر غنى بالثروات، بل ينظر إليها على أنها سورية المفيدة.
وتقع أهم وأكبر حقول النفط والغاز تحت سيطرة “قسد”، ولعل أبرزها حقول الرميلان في محافظة الحسكة وحقلا العمر والكونيكو في ريف دير الزور.وتتبع لقوات “قسد” العديد من المجالس العسكرية، وهي: مجلس الرقة العسكري، ومجلس منبج العسكري، ومجلس دير الزور العسكري. وكان قائد “قسد” مظلوم عبدي قد كشف في حديث صحافي، أواخر عام 2019، أنّ عدد هذه القوات هو 80 ألفاً، إضافة إلى 30 ألفاً من قوات الأمن الداخلي.
ونفى أن تكون قواته كردية، واعتبر أنها “وطنية سورية بامتياز”، مشيراً إلى أن “نسبة العرب والأكراد تتوزع مناصفة إلى جانب تشكيلات من المكونات الأخرى”.
وبحسب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فإنّ 10 آلاف من مقاتلي تنظيم “داعش” ما زالوا رهن الاحتجاز في معسكرات تديرها “قسد”، واصفاً هذا الوضع في تصريحات له في 28 يونيو/ حزيران الماضي، بأنه “غير مقبول”.
وواجهت “قسد” أكثر من تحد كان من الممكن أن يطيح بها؛ أبرزها في مطلع عام 2018 عندما هاجم الجيش التركي وفصائل المعارضة المرتبطة به منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، فاضطرت هذه القوات للانسحاب بعد مقاومة قصيرة. كما برز تحدٍ ثانٍ في أواخر عام 2019، حين هاجمت فصائل المعارضة بدعم تركي منطقة شرقي نهر الفرات
وانتزعت السيطرة على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر وبعمق نحو 33 كيلومتراً، فوجدت هذه القوات نفسها مضطرة إلى توقيع اتفاق عسكري مع الجانب الروسي سمح لموسكو بنشر قوات لها وللنظام السوري في مناطق عدة شرقي الفرات، وهو ما جعل من الروس لاعباً في هذه المنطقة الأهم في سورية.
في السياق، قال الناطق باسم “لواء أحرار الشمال” في قوات “قسد” محمود حبيب، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “مشروع قسد يتلخّص بأن تكون سورية دولة ديمقراطية لامركزية، تحقق المساواة بين كل أبنائها، وأن تكون المؤسسة العسكرية في خدمة الشعب ولحمايته”.
وبيّن أنّ “قسد تضم عشرات آلاف المقاتلين من كل المكونات، وهي قوات سورية وليست كردية أو عربية”، مشيراً إلى أنّ هذه القوات هي “الرافعة والمظلة للإدارة الذاتية التي حققت مكاسب سياسية خلال وقت قياسي، داخلياً وخارجياً”، واعتبر أنّ “قوات سورية الديمقراطية حررت الأرض السورية من تنظيم داعش بتضحيات مقاتليها”.
وعلى الرغم من الدور الذي لعبته في دحر تنظيم “داعش”، إلا أنّ قسد تواجه جملة من الاتهامات من قبل المعارضة السورية، لعل أبرزها أنها جناح سوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف في خانة التنظيمات الإرهابية لدى العديد من الدول.
وتؤكد الوقائع على الأرض أن كوادر هذا الحزب هم المحرك الرئيسي لقوات سورية الديمقراطية، بل إن أبرز القياديين في هذه القوات من السوريين هم أعضاء في حزب العمال وعادوا إلى سورية في عام 2012 بتسهيل من النظام لتشكيل الوحدات الكردية لضبط الشارع الكردي، خاصة في محافظة الحسكة، أقصى الشمال الشرقي من سورية.كما تتهم هذه القوات بالترويج لفكر عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، في محيط عربي خالص، ما يُعد بنظر كثيرين محاولة لـ”العبث” بهوية منطقة شرقي الفرات العربية.
كذلك، تتهم المعارضة السورية هذه القوات الداعمة لـ”الإدارة الذاتية” الكردية، بالسعي لاقتطاع منطقة شرقي نهر الفرات لإقامة إقليم ذي صبغة كردية، ولكن “قسد” تنفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، وتؤكد أنها تدعو إلى “اللامركزية” في سورية وليس إلى التقسيم.
رديف مصطفى: قسد مليشيا تتبع لحزب العمال الكردستاني
وفي هذا الصدد، قال نائب رئيس “رابطة الكرد المستقلين” رديف مصطفى، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ ميليشيات قسد “هي مليشيا تتبع لحزب العمال الكردستاني، وبالتالي هي ليست قوة وطنية”، مضيفاً أنّ “عمودها الفقري ما يسمى (وحدات حماية الشعب)، وقفت ضد الثورة وساندت نظام الأسد ضد المطالب المشروعة للشعب في الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية”.
وأشار إلى أنّ هذه الميليشيات “تسيطر على غالبية النفط السوري وسلة غذاء سورية، ومع ذلك تجوّع الشعب السوري في منطقة نفوذها وتبيع النفط للنظام الذي ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
ولفت مصطفى إلى أن ميليشيات “قسد ترسل قسماً من عائدات هذا النفط لحزب العمال الكردستاني الأرهابي ، وهذا يعد تمويلاً للإرهاب”، معتبراً أنها “تمارس القمع والاستبداد والخطف وتكميم الأفواه والاعتقال التعسفي والتعذيب الممنهج بحق من يختلف معها سياسياً، وتفرض التجنيد الإجباري من دون وجه حق وخارج إطار القانون، وتقوم بخطف القصر وتجنيدهم، وهذه جريمة حرب. نحن نعتقد أن ميليشيات قسد مليشيا عابرة للحدود”.