عبدالوهاب بدرخان
يستقبل لقمان سليم مشيّعيه اليوم في حديقته التي كانت دائماً مفتوحة ومنفتحة، مثل قلبه وعقله وفكره. وسيأتون من كل الطوائف والأطياف ليشهدوا مع الأم السيدة سلمى والشقيق هادي والشقيقة رشا والزوجة مونيكا، أنه حيٌّ وسيبقى حيّاً في قلوبهم وعقولهم، فهو يشبههم وهم يشبهونه، وهو كان ولا يزال يمثّلهم في كل كلمة قالها أو كتبها ليخترق الصمت بجرأته ونزاهته، وبالرصاصات المكتومة التي فضحت مَن أرسلوا القتلة وكشفت خوفهم مِن الكلمة، بل تهيّئ لهم سطوتهم أنهم استطاعوا أن يكووا وعي الناس ويفرضوا الواقع والحقيقة والرأي التي تناسبهم، لكن لقمان كان الدليل الدامغ الى أنهم أخطأوا ويلغون في الخطأ. وقاحة الذين أرسلوا القتلة هي الوجه الآخر للعقم المسبق الذي يصيب كل تحقيق.
ليس للمحققين في لبنان، بنسخته التي صنّعها “حزب الله”، “ترف” أن يكونوا في صفّ مواطن – ضحية، كما يقتضي العقل السليم قبل القانون.
لكن “المواطن”، كما صنّف لقمان نفسه، لا وجود له في دولة ألغاها “الحزب”، في دولة/ “جيفة”، بحسب شقيقته رشا. كان لقمان، المهدّد عند مدخل دارته وداخل حديقته، وثّق منذ 13/12/2019 بلغ استهدافه ومهره بتوقيعه، محمّلاً زعيمي “الحزب” و”حركة أمل” – جيرانه – “المسؤولية التامة عما جرى، وعمّا قد يجري”، ووضع نفسه وعائلته ودارته في حماية القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني، مختتماً بـ “اللّهم قد بلّغت”… لكن أحداً لم يتبلّغ أو يهتمّ. جاءه جواب وحيد ليلة 04/02/2021 إنفاذاً للتهديد: “المجد لكاتم الصوت”.
عندما يقتل “خفافيش الظلمة” مواطناً يعمل بشفافية في وضح النهار، يكون القتل لكل مواطن آخر، أياً يكن انتماؤه، وكل مَن هو مثل لقمان، لاطائفي أو من كل الطوائف في آن، أي من شعبه كلّ شعبه. لكن مَن أرسلوا القتلة كانوا معنيين وحسب بأنه شيعي، وبأنه ومَن هم مثله استحقّوا “الإعدام” لأنهم بدأوا يوهنون مناعة “القطيع المصفّق للجرائم” وقناعته.
رفض لقمان السكوت على منظومة الجريمة والفساد وتدمير الدولة وتهميش المؤسسات كافةً، من الاغتيالات الى تفجير المرفأ، ومن إرهاب المواطنين الثائرين والبطش بهم الى إخضاع الطبقة السياسية ومنظومة الحكم الى إدارة انهيار البلد، ومن القتل في لبنان الى القتل في سوريا والعراق واليمن… أيقن لقمان أن مَن يستهدفونه لم يعودوا “مقاومة” كما يدّعون، بل أصبحوا مجرد آلة ترهيب واستبداد.
لم يكن يحبّذ الكلام في الطائفة، لكنه سئل فأجاب: “بمقدار ما يبرز التعدّد على سطح الجماعة الشيعية سيزداد القمع والترهيب، لأن هذا النظام المافيوي يقوم على فكرة الجماعات القطعان، وهذا يسري على سائر الجماعات”… كان من أبرز رموز “التعدّد” في بيئته، وبهذه الشهادة أوضح سبب اغتياله ووقّع عليها بصوته وصورته. كان لقمان يعمل داخل عائلتَيه الخاصة والعامة على “السلم الأهلي”، أما قتلته فيتوهّمون أن “نصرهم الإلهي” يتدّعم بتغييبه.