الجمهورية. نت:21/8/2020
«لن أنسى تلك اللحظة ما حييت… وسأحكي الحكاية كل عام»، يقول الدكتور سليم نمور، أحد أطباء الغوطة الشرقية الذين أسعفوا مصابي مجزرة الكيماوي الرهيبة في 21 آب (أغسطس) 2013.
في ذلك اليوم، أسفرت ضربات متفرقة بصواريخ محمّلة بغاز السارين، أحد غازات الأعصاب، عن استشهاد 1466 شخصاً في عدد من بلدات الغوطة الشرقية، وفي معضمية الشام في الغوطة الغربية. لم تكن تلك الضربة هي الأولى التي يُستخدَم فيها سلاح كيميائي في سوريا بعد قيام الثورة السورية، كما أنها لم تكن الأخيرة، لكنها كانت الأعنف، وكانت الضربة التي خلّفت العدد الأكبر من الضحايا بين المدنيين.
يروي الناجون كيف قتل الغاز عائلات بأكملها في بيوتهم، في زملكا وعين ترما. شهادات العاملين في الإنقاذ قالت إنّه مشهدٌ من الجحيم، لم يكن يخطر على بالهم في أسوأ كوابيسهم، عندما تمدَّد المصابون والشهداء في النقاط الطبية، من دون أن يستطيع الأطباء والممرضون إسعاف الجميع. المئات من المصابين توافدوا على النقاط الطبية الموزعة في كل الغوطة بإمكانياتها الضعيفة، بعد أن كان قد تمّ استهداف المشافي الكبيرة في المنطقة.
رغم فظاعة المجزرة التي تمّ توثيق معظم جوانبها، ورغم أن التحقيقات الدولية التي قامت بها بعثات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة قد أثبتت استخدام السلاح الكيميائي فيها، وحدّدت مركب السارين باعتباره النوع المستخدم، إلّا أنّ نظام الأسد وحلفاءه وأنصاره واعتذارييه أصرّوا على نكران وقوع تلك المجزرة، أو حاولوا تلفيق التهمة لفصائل المعارضة الموجودة في المنطقة ذاتها.
اعتُبرت تلك الادعاءات التي أطلقها نظام الأسد عبر إعلامه، ومن خلال تصريحات مسؤوليه الرسميين، أو الناطقين غير الرسميين باسمه عبر شاشات التلفزة، كَذِباً مفضوحاً لا يمكنه إقناع أي أحد، لكنّ دخول موسكو على خط تصنيع الحقائق المركبّة والتشكيك بما جرى، أضاف عدداً من الاستراتيجيات إلى تلك البروباغندا، فقد استطاعت موسكو تجنيد وسائل إعلامها بهدف نشر حقائق ملفقة، والتشكيك في تفاصيل خاصة بجرائم استخدام السلاح الكيميائي، والافتراء مراراً على جهات مدنية في سوريا، عبر ادعاء تلفيقها لصور تلك الجرائم أو اشتراكها في تنفيذها. وقد استطاعت روسيا تجنيد شخصيات عامة مثل روجر ووترز لترديد ذلك الكذب.
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل استخدم النظام وموسكو أساليب التهديد المباشر وغير المباشر، بهدف ترهيب الشهود والناجين من مجازر الكيماوي، لكي يتجنبوا الحديث عنها، ما يفرغ الساحة أمام تلفيقاتهم.
ومن أجل المساهمة في مواجهة التلفقيات والإنكار، بدأت مجموعة من السوريات والسوريين، من بينهم ناجون من المجزرة وشهود عليها، العمل على حملة لحماية الحقائق حول تلك المجازر. وأطلقت الحملة قبل أسابيع صفحة على موقع فيسبوك باسم لا تخنقوا الحقيقة، هي جزء من جهد أوسع يهدف إلى محاربة إنكار جرائم الكيماوي في سوريا، وهو الإنكار الذي يبدو أن جهود النظامين الروسي والسوري منصبةٌ على تكريسه يوماً بعد يوم.
تهامة درويش ناشطة نسوية وممرضة، كانت أحد الناجين من المجزرة عام 2013، تقول للجمهورية: «لا تزال تلك اللحظات أسوأ لحظات عمري على الرغم من كل ما مررت به. الحفاظ على الحقيقة هو أحد الأولويات الأساسية لنا. يجب أن نحفظ الحقيقة من أجل الحفاظ على حقّنا وحق من رحلوا». تتابع تهامة: «حملة لا تخنقوا الحقيقة هي جهدنا المتواضع من أجل محاربة إنكار الجريمة».
وأطلقت الحملة في هذا اليوم، في الذكرى السابعة لمذبحة الغوطة الكبيرة، نشاطاً يتضمن توزيع زهور صفراء في عدة عواصم ومدن عالمية للتذكير بالمذبحة وضحاياها، وهي خطوة أولى كما يصفها منظمّوا النشاط، ستتبعها حملات مناصرة ومقاومة لخطاب الإنكار، ودعم للناجين من أجل مساعدتهم على تقديم شهاداتهم وسرد ما جرى، ومساعدتهم على امتلاك أدوات في مواجهة البروباغندا الروسية.
في ذكرى الجريمة، كانت أصوات الناجين وذكرى الضحايا حاضرة بيننا، وستبقى حاضرة دفاعاً عن العدالة، ودفاعاً عن الأمل بعالم أقل بشاعة وأكثر كرامة.