أمين العاصي //العربي الجديد:1/11/2020
تدلّ مؤشرات ميدانية وعسكرية عدة، على أن الشمال الغربي من سورية ربما يتجه إلى تصعيد عسكري غير مسبوق منذ أشهر عديدة، في ظلّ استمرار قوات النظام بتجاوز اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين تركيا وروسيا في العاصمة الروسية موسكو مطلع مارس/آذار الماضي، بينما لا تزال فصائل المعارضة تكتفي بالرد على مصادر النيران من قبل هذه القوات، التي تكثف قصفها على مدينة أريحا، وهو ما قد يتسبب بأزمات إنسانية.وقتل وأصيب بجروح عدد من قوات النظام والمليشيات المساندة له فجر أمس السبت، جرّاء استهداف فصائل المعارضة بقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ تجمعات لها في مدينة كفرنبل وبلدة حزارين بريف إدلب الجنوبي، في سياق الرد على القصف اليومي من قبل هذه القوات على أريحا، والذي تسبب منذ أيام بمجزرة بحق مدنيين.
إلى ذلك، ذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن قوات النظام قصفت أمس قرى وبلدات الفطيرة وكنصفرة وأطراف البارة وسفوهن ضمن جبل الزاوية، بعد ساعات من قصف بالأسلحة الثقيلة نفذته على الأحياء السكنية في مدينة أريحا وقرية نحليا ومعربليت بريف إدلب، وتقاد وكفرعمة بريف حلب الغربي، ما أدى إلى إصابة مدنيين في أريحا. وكثفت قوات النظام قصفها المدفعي والصاروخي أخيراً على أريحا، في مؤشر واضح على أن هذه المدينة ستكون الهدف الأول لهذه القوات، في حال انهيار التفاهمات التركية الروسية. ويتعرض اتفاق موسكو المبرم بين أنقرة وموسكو حول إدلب ومحيطها لتحديات كثيرة، حيث من الواضح أن الجانب الروسي اختار الشمال الغربي من سورية مكاناً لتوجيه الرسائل إلى أنقرة حول أكثر من ملف يتنافس فيه الطرفان.وحتى اللحظة، يبدو أن فصائل المعارضة السورية حريصة على استمرار اتفاق وقف النار، حيث لم تلجأ إلى الهجوم رغم تعرضها للقصف اليومي، بل تكتفي بالرد على مصادر النيران، ولم تحاول التقدم داخل مناطق قوات النظام. من جهتها، يبدو أن قوات النظام لم تحصل حتى اللحظة على ضوء أخضر روسي من أجل البدء بعملية واسعة النطاق للسيطرة على المنطقة الواقعة جنوب الطريق الدولي “أم 4” الذي يربط الساحل الغربي بمدينة حلب، كبرى مدن الشمال، بشكل كامل. ولا تزال فصائل المعارضة السورية تسيطر على العديد من البلدات والقرى جنوب “أم 4″، إضافة إلى مدينة أريحا، منها البارة ودير سنبل وسرجة، وقسم من سهل الغاب التابع إدارياً لمحافظة حماة.
ولطالما سعت قوات النظام للسيطرة على هذا الطريق الذي يعد شرياناً اقتصادياً هاماً، لكن الاتفاق التركي الروسي في مارس الماضي حال دون ذلك. ولم يستطع الجانبان الروسي والتركي استعادة الحركة على هذا الطريق بسبب تعقيدات ميدانية، حيث رفضت مجموعات متطرفة تنتشر في بعض مناطق ريف إدلب، تسهيل مهمة الجانبين الحريصين كما يبدو على استمرار الهدنة، كي لا تنزلق المنطقة مرة أخرى إلى صراع جديد يتسبب بأزمات إنسانية لنحو 4 ملايين مدني.
ويرى الباحث في مركز “جسور” للدراسات، وائل علوان، أن محافظة إدلب “معرضة دائماً للتسخين من مختلف الأطراف التي لم تصل بعد إلى توافقات نهائية في القضية السورية”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الوضع الأمني في إدلب هو بمثابة ورقة تفاوض، لذا فإن المنطقة تشهد بين فترة وأخرى تصعيداً واشتباكات.
ويعتقد علوان، أن محافظة إدلب “لن تشهد في الأفقين القريب والمتوسط حملات عسكرية واسعة النطاق”، مضيفاً أنه “حتى اللحظة، لم نشهد بوادر نقل قوات أو سلاح من قبل النظام للقيام بعمليات واسعة”. ويشير الباحث السوري إلى أن هناك مفاوضات بين الأتراك والروس تشهد ضغطاً من جانب موسكو عبر استهداف العمق في الشمال السوري. ويشرح أن تعزيز الأتراك لنقاط تمركزهم في داخل محافظة إدلب هو أيضاً وسيلة ضغط على الجانب الروسي على طاولة المفاوضات، التي لا تقتصر على إدلب، بل تشمل ريف حلب الشمالي، وشرقي نهر الفرات.وفي ظلّ هذا التصعيد العسكري من قبل قوات النظام، علّق مجمع أريحا التربوي يوم السبت الماضي الدوام في ثماني مدارس، لمدة يومين قابلين للتمديد. وأوضح مدير المكتب الإعلامي بالتربية والتعليم بإدلب، مصطفى الحاج علي، في تصريحات صحافية، أن إيقاف الدوام جاء حرصاً على سلامة الطلاب والكادر التعليمي، في المناطق التي تتعرض للقصف، خصوصاً الجنوبية، كأريحا وما حولها، مشيراً إلى أن المناطق التي تتعرض للقصف منحت تفويضاً بالإغلاق بشكل مباشر. ووفق مصادر محلية، يقطن في مدينة أريحا نحو 80 ألف مدني، عدد كبير منهم نازحون من مناطق سورية عدة، متحدثة عن وجود خشية لدى سكان المدينة من تجدد المعارك، وهو ما قد يجبرهم على النزوح باتجاه الشمال السوري.على صعيد منطقة شرقي نهر الفرات، فقد شهدت السبت تسيير دورية أميركية في محيط مدينة المالكية شمال شرقي الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي السوري، بالتزامن مع تسيير القوات الروسية لدورية مكونة من 4 عربات تحت حماية من مروحتين أقلعتا من مطار القامشلي، وقد جابت محيط قرية حجي مطري بالقرب من منطقة عين ديوار في المثلث الحدودي السوري العراقي التركي. ولطالما حاول الجانب الروسي إنشاء نقطة تمركز في هذه المنطقة أخيراً، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل في ظلّ رفض شعبي كبير لأي وجود للقوات الروسية، مسنود برفض أميركي واضح لانتشار الروس على الحدود السورية العراقية حيث معبر سيمالكا الاستراتيجي الذي يربط سورية بإقليم كردستان العراق. في الأثناء، ذكر ناشطون محليون أن عنصرين من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) قتلا جرّاء انفجار عبوة ناسفة بسيارة عسكرية في محيط بلدة السوسة في ريف دير الزور الذي يشهد اضطرابات.