• الإثنين , 25 نوفمبر 2024

ماذا بعد أوسع ضربة إسرائيلية لإيران في سوريا؟

عبد الجبار العكيدي

تطرح الضربة الإسرائيلية الأخيرة لمواقع عسكرية إيرانية في شرقي سوريا تساؤلاً رئيسياً وهو:

ما الجديد فيها شكلاً ومضموناً وما الدلالات المختبئة بين طياتها؟بداية تميزت الضربة الأخيرة بمواصفات وتقنيات غير مسبوقة لجهة عدد القتلى والمواقع المستهدفة، أهميةً وعدداً، وكذلك التوقيت السياسي لتنفيذها والذي يتزامن مع ترقب وصول الساكن الجديد للبيت الأبيض.

يمكن القول إن الضربات الإسرائيلية الأخيرة تُشكل ذروة الهجمات التي استهدفت المواقع الإيرانية والميليشيات التابعة لها، حيث شملت عملياً جميع المواقع الإيرانية في مدينة دير الزور والميادين والبوكمال حيث مركز ثقل التواجد الإيراني، والنافذة الأثيرة لطهران التي تأمل أن تصل من خلالها الطريق البري المرجو من طهران إلى بيروت.وفوق كل ذلك فإن هذه الضربة سبقها هجمات تمهيدية استهدفت خط الدفاع المبكر (منظومة الإنذار المبكر ومواقع الحرب الالكترونية) بالقرب من مدينة السويداء والديماس لفتح طريق آمن وهذا لا يحدث إلا قبيل هجمات كبيرة ومكثفة، يدلل على ذلك مشاركة الولايات المتحدة لأول مرة في هذه الضربة، من خلال تقديم معلومات استخباراتية غاية في الدقة وطائرات السطع الالكتروني لتحديد الأهداف وتوجيه الطائرات الحربية مما أسفر عن إصابات محققة وتدمير أغلب الأهداف وقتل عدد كبير من القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها.

لا يمكن القول إن الهجمات ستتوقف عند هذا الحد بدليل التصعيد السياسي غير المسبوق من طرف واشنطن ضد إيران في الآونة الأخيرة، على الرغم من انشغالها العميق بمشاكل انتقال السلطة. ومن المؤشرات على هذا التصعيد تزامنه مع الحديث عن تقرير أميركي يُقال إنه سيكشف عن علاقة إيران بتنظيم القاعدة ومؤشرات لتحميلها مسؤولية هجمات 11 أيلول/سبتمبر وتكرار الحديث عن وجود قادة التنظيم الإرهابي فيها وإيجاد ملاذ آمن لهم والتنسيق بينهم وبين أجهزة الاستخبارات الإيرانية.

قاسم سليماني..ما قبله وبعده

ولقراءة المشهد السياسي والعسكري بدقة لا بد من استعراض الأوضاع قبل مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني وبعده.سليماني الذي عمل مع أبو مهدي المهندس على هندسة تموضع القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في شرقي سوريا، وخاصة منطقتي الميادين والبوكمال لقربهما من الحدود العراقية، بعد أن أدركا صعوبة إقامة وجود لها في مناطق غرب دمشق، تاركين لحزب الله اللبناني هذه المهمة، بسبب كثافة الغارات الجوية الإسرائيلية واستهدافها لمواقع تواجد قواتها والميليشيات التابعة لها هناك، في تسليم واضح بأن تموضعهم بالقرب من حدود إسرائيل كلفته باهظة جداً، بل وهو بند توافقت عليه موسكو وواشنطن وتل أبيب في مرحلة التسوية بجنوب سوريا.

في المقابل، بعد مقتل سليماني، قامت إيران بنقل الكثير من قواتها الى المناطق القريبة من الحدود العراقية السورية الخاضعة لسيطرتها، لتجعل من مدينة البوكمال قاعدة إيرانية ومعبر لقواتها الى سوريا، ومدخل المشروع الإيراني الممتد بين طهران-بغداد-دمشق-بيروت وصولاً الى البحر المتوسط، الحلم القديم المتجدد لطهران، على أن تبدأ من هناك العمليات العسكرية والاستراتيجية واللوجستية، حيث تُعتبر قاعدة “الإمام علي” أكبر قاعدة إيرانية في المنطقة وهي تغذي بقية القواعد الأخرى، مع إقامة بنى تحتية لتسهيل تحريك عناصرها وتعزيز عمليات التهريب بين العراق ولبنان.

التحركات أعلاه لم تغِب بطبيعة الحال عن أعين الجانبين الأميركي والإسرائيلي الذين تابعا التحركات الإيرانية عن كثب، مع إطلاع كافٍ على المعلومات التي تفيد بوجود مستودعات أسلحة تحوي مكونات قد تدعم البرنامج النووي الإيراني، وكذلك عمليات لتثبيت قواعد صاروخية في سوريا تطال إسرائيل.

وبناء على ذلك، ثمة عامل لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهله، وهو موسكو، خصوصاً في ظل وجود اتفاقية مع التحالف الدولي، ومن خلفه واشنطن، تتعلق باستخدام الأجواء السوريّة، أي أن الضربة الأخيرة قطعاً جرت بالتنسيق مع روسيا، وهو ما يستدعي سؤالاً رئيسياً، يتعلق بالهدف أو الأهداف المشتركة بخصوص التواجد الإيراني بين روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل؟من الواضح أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسعى من خلال هذه الهجمات الى تصعيد الموقف مع الإيرانيين إلى ذروته لتسليم خليفته جو بايدن ملفاً ساخناً وبحالة تجعل مهمة الأخير بما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني أكثر تعقيداً، ومحكومة بقيود الحرب لا السلم التي لا يمكن التحرر منها بسهولة، وبالتالي تصبح مهمة الرئيس الأميركي الجديد أكثر صعوبة في صياغة اتفاق جديد مع إيران، ناهيك عن رفض إيراني مُعلن لإعادة التفاوض، بمعنى العودة إلى الاتفاق الحالي أو لا اتفاق.

الموقف أعلاه صاحبة المصلحة الأكبر فيه هي إسرائيل الحريصة على تقويض أي تقارب أو اتفاق أميركي-إيراني، في ظل مخاوفها الجدية من تغير محتمل في سياسة بايدن تجاه إيران، يعزز هذا التوجه مأزق نتنياهو نفسه ومحاولته الهروب من أزمته السياسية والحزبية وملاحقته بقضايا الفساد وضغط احتجاجي مستمر أكثر من ثلاثين أسبوعاً. ويبدو أن نتنياهو يعمل على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في اللحظات الأخيرة من حكم ترامب، وتشكيل جبهة مفتوحة وتعاون بين إسرائيل والتحالف الدولي وتكثيف الضربات العسكرية الإسرائيلية على المواقع الخلفية لإيران وميليشياتها في سوريا.

تسعى إسرائيل من كل ذلك إلى ضرب الآمال الإيرانية في تحويل سوريا إلى قاعدة مستقرة لها، بتحطيم قدرتها على بناء قواعد ثابتة وتقليم أظافرها وتقطيع أوصال مواقعها، مستفيدة من طبيعة المنطقة الصحراوية المكشوفة.

هذه الطبيعة الجغرافية، حتى تنظيم “داعش” لم يفوت فرصة معرفته الدقيقة بتفاصيل تضاريسها لتوجيه ضربات قوية لطرق الإمداد وقوافل الدعم العسكري القادم من إيران الى قواته في سوريا وحزب الله في لبنان، وهذا ما يفسر تغاضي قوات التحالف عن تحركات داعش الأخيرة في البادية السورية بحرية واستعادة نشاطها وازدياد عملياتها العسكرية الخاطفة ضد قوات النظام والميليشيات الايرانية.

ما الذي تريده موسكو؟

يبدو أن مساعي روسيا للاستفراد بالكعكة السوريّة وحدها تستلزم تحييد إيران بعد أن انتهى دورها الوظيفي في مواجهة قوات المعارضة، وربما المرحلة الراهنة تستدعي مصلحة روسيّة أكبر للتنسيق مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي، ومعهما الدول الإقليمية لإبعاد إيران عن سوريا، أو على أقل تقدير إضعافها، وذلك قبل رسم ملامح الحل النهائي في سوريا بتوافق الدول الفاعلة في هذا الملف.

ودليل ما سبق، انسحاب روسيا قبل ساعات من مواقع الضربات ومنع النظام من استخدام منظومات الدفاع الجوي “إس-200” وإس-300″، وتزويد الجانب الإسرائيلي بمواقع واحداثيات القوات الإيرانية، وهذا ما عزز دقة الضربات التي أوجعت على ما يبدو الإيرانيين.قاسم سليماني نفسه تحدث قبل مقتله مطلع العام 2020، عن هذه الجزئية حين أشار إلى أن المعلومات المتوفرة لإسرائيل لا يمكن الحصول عليها فقط من خلال وسائط التجسس المختلفة، في إشارة إلى الطائرات الأميركية.

والآن، ما هي خيارات إيران أمام ما يمكن وصفه بمعسكر الأعداء، الولايات المتحدة وإسرائيل، والأصدقاء الأعداء، أي روسيا؟تبدو طهران مضطرة في هذه الآونة لامتصاص الموقف وتحمل كل الضربات دون أن تغامر برد، سواء في الجولان أو جنوب لبنان، قابضة على جمر ما بقي من أيام إدارة ترامب، على أمل أن تخرجها الإدارة الأميركية الجديدة من مأزقها، عازمة في تلك المرحلة على اللعب بأوراق الميليشيات التابعة لها أو المتحالفة معها في سوريا واليمن ولبنان والعراق، وكذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، إضافة إلى ملف قدراتها الصاروخية، في إطار العودة إلى الاتفاق النووي، لإنقاذ اقتصادها المتهاوي على أقل تقدير.وهنا، هل نحن حقاً أمام خطة استراتيجية متكاملة وغطاء سياسي أميركي لزعزعة المشروع الإيراني في المنطقة، أم هو مجرد غضبة من ترامب في أيامه الأخيرة لصنع مشهد تكتفي الإدارة القادمة بالبناء عليه لتقليم أظافر إيران وترويضها وإخضاعها في ملفات عدة على رأسها البرنامج النووي الإيراني؟سؤال تبقى الإجابة عنه محكومة بتطورات الأيام القليلة القادمة، خصوصاً بعد التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي توعدت بتكثيف الضربات ضد المواقع والميليشيات الإيرانية في سوريا لتصبح مرة على الأقل كل ثلاثة أيام.

مقالات ذات صلة

USA