مركز الحوار السوري
على الرغم من صدور قانون “قيصر” وتحذيراته من التعامل الاقتصادي مع النظام السوري؛ فقد واصلت “قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة محلياً بـ “قسد” والمدعومة أمريكياً تزويدَ النظام السوري بالنفط، ولا يبدو أن عمليات نقل النفط من المناطق التي تسيطر عليها “قسد” إلى النظام تتم عبر “طرق تهريب” كما يصفها الكثيرون وتتناقلها بعض وسائل الإعلام؛ لأن الشاحنات تدخل بأعداد كبيرة تصل إلى المئات في اليوم الواحد أحياناً[1]، وهي تدخل من المعابر والطرق الرئيسة التي تسيطر عليها “قسد” كطريق M4 الدولي.ويثير هذا الأمر التساؤلات حول حقيقة موقف واشنطن من “خرق” “قسد” التحذيرات من التعامل اقتصادياً مع النظام السوري، وحول دلالات ذلك على المستوى المحلي والتنافس بين مختلف الفاعلين شرق الفرات.ويبدو أن نقل النفط من مناطق سيطرة “قسد” إلى النظام السوري مستمر على الرغم من تداول بعض وسائل الإعلام السورية المعارضة أخباراً حول طلب الولايات المتحدة من “قسد” وقف بيع النفط إلى النظام السوري
ولعل الهدف منها تذكير الطرفين المحلييَن “قسد” والنظام السوري أن جميع التعاملات الاقتصادية بينهما مكشوفة، ويجب أن تبقى منضبطة بالحدود التي يحددها التحالف الدولي؛ فما الذي يمنع التحالف الدولي من تكرار استهداف تلك الشحنات؟ وهل يعني غضُّه الطرف عنها أنه موافق على نقل النفط للنظام السوري ضمن حدود معينة؟ما يظهر هو أن لا صرامة من الإدارة الأمريكية في تطبيق عقوبات “قانون قيصر”، ويمكن ملاحظة التغاضي عن تزويد “قسد” النظام السوري بالنفط رغم التحذيرات المتكررة من أي تعامل اقتصادي معه، وربما يشبه ذلك غضّ الطرف عن بعض التحركات الدبلوماسية المتمثلة بتوجه بعض دول الخليج للتقارب مع نظام الأسد، وعن إعادة سلطنة عمان سفيرها إلى دمشق[5]؛
فواشنطن تسمح بوجود هوامش لمختلف الفاعلين الإقليميين أو المحليين[6]، ولا يخرج هامش “قسد” في تزويد النظام السوري بالنفط عن السياق ذاته.ويبدو أن ثمة مصالح متبادلة أدت إلى هذا التعاون بين النظام السوري و”قسد”؛ فالنظام بحاجة إلى النفط ولا تزال مناطقه تعاني أزمات متكررة فيما يتعلق بالمحروقات، و”قسد” تريد تصريف النفط والاستفادة من عائداته المالية الكبيرة، مع تأكيد أن ذلك التعاون لا يشمل مقايضة الغذاء بالنفط؛ لأن منطقة شرق الفرات تُعد غنية بالقمح والشعير، وتصدّر المواد لبقية المناطق السورية، وفي الوقت نفسه فإن “قسد” تحصل في بعض الأحيان على البنزين النظامي الذي لم توفره حتى اليوم في مناطقها، إذ تعتمد على مصافي النظام السوري وتقوم بما يشبه المقايضة على النفط الخام[7].
وليس أمام “قسد” بوابات لبيع النفط سوى للنظام السوري؛ فتركيا مغلقة أمامها، وتَعدُّها أنقرة في الأصل امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنَّف على لائحة “الإرهاب”، ما يعني استبعاد التعاون بين الجانبين أياً كان شكله، كما أن علاقة “قسد” بإقليم كردستان العراق ليست على ما يرام، فيكون تصدير النفط إليه مستبعداً كذلك رغم العلاقة الاقتصادية بين الطرفين في وقت سابق[8].
ولا تقوم “قسد” في الوقت نفسه بتزويد مناطق سيطرة فصائل المعارضة بالنفط بشكل مستمر أو بالكمية التي تحتاجها المنطقة لأسباب تعود إلى عدم التوافق بين الطرفين، لاسيما وأن مناطق المعارضة باتت تعتبر تحت النفوذ التركي المعادي لـ “قسد” بدرجة كبيرة، ولذلك فإنها وجدت في التعامل مع النظام السوري الحل الأنسب لتعزيز التعاون النفطي وتصريف النفط إليه، فضلاً عن وجود تفاهمات قديمة في هذا الشأن والشؤون الأمنية بين الطرفين[9].ولعل قيادة “قسد” تستذكر التخلي الأمريكي -جزئياً- عنها قبيل عملية “نبع السلام” التي أطلقتها القوات التركية وفصائل المعارضة في تشرين الأول من العام 2019، حيث مهَّد الانسحاب الأمريكي الجزئي إلى خسارتها منطقتَي تل أبيض ورأس العين، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة التصريحات التي أطلقها السفير الأمريكي السابق لدى سوريا روبرت فورد، حينما قال: إن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية” سوف تنتهي يومًا ما[10]،
وهذا ربما ما يدفع “قسد” إلى محافظتها على العلاقات مع النظام السوري، وتحاول باستمرار الحصول منه على اعتراف بالحكم الذاتي، وربما يكون النفط ورقة مهمة لها في المفاوضات مع النظام السوري؛ فتبدو “قسد” وكأنها تريد الموازنة في العلاقات، سواء مع النظام السوري أو مع الروس، بهدف تأمين خط عودة لها، ومما يعزز موقفها أنها تسيطر على سلة سوريا الغذائية والنفطية في شرق الفرات، أي إن بيدها أوراق قوة قد تحصل في مقابلها على مكتسبات في الحكم الذاتي من النظام السوري، ومن المؤكد أن موسكو تدرك أهمية المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، ولذلك فإنها دائماً ما كانت تشجّع تقريب وجهات النظر بين الطرفَين والسعي إلى انخراط “قسد” في صفوف قوات النظام السوري[11]، وعلى الرغم من ذلك فإن النظام السوري لم يُظهِر حتى اليوم أي موقف إيجابي بخصوص ما تطمح إليه “قسد” فيما يتعلق بقضية الحكم الذاتي والفيدرالية؛
وأن الشاحنات تدخل بشكل يومي أو شبه يومي لنقل النفط الخام إلى مناطق النظام السوري.[3] من لقاء أجريناه مع ناشط على الأرض شرق الفرات.[4] ترامب: هدفنا في سوريا النفط ولتقاتلوا أنتم تنظيم “الدولة” – عنب بلدي.[5]سلطنة عمان.. أول دولة عربية خليجية تعيد سفيرها إلى سوريا – روسيا اليوم.[6] وثمة مَن يفسّر أن بقاء تلك الهوامش ليست نتيجة سياسة مركزية أمريكية صارمة تقبل توزيع الأدوار، بقدر ما هي انعكاس لاضطراب السياسة الأمريكية الخارجية فيما يتعلق بالملف السوري بشكل خاص، وهو ما شهدناه سابقاً من وجود تدافعات مختلفة فيما يتعلق بقرار الرئيس ترامب تنفيذ انسحاب جزئي من سوريا. يُنظر على سبيل المثال مقالة:
عن أسباب اضطراب السياسة الأميركية في سوريا- الشرق الأوسط.[7] من لقاء أجريناه مع ناشط على الأرض في مناطق قوات “قسد” في شرق الفرات.[8] كانت “قسد” تقوم بتهريب جزء من نفط شرق الفرات في وقت سابق إلى كردستان العراق، لكن العملية توقفت في بعد ذلك. يُنظر: أرقام مثيرة عن النفط السوري.. مستقبل شرق الفرات الخفي – الجزيرة نت. حتى إن بعض التقارير تحدثت عن وصول النفط السوري إلى تركيا عبر كردستان العراق. يُنظر: تركيا اشترت النفط من “الوحدات الكردية”- عنب بلدي.