• الأحد , 24 نوفمبر 2024

متى تتراجع أنقرة عن عمليتها البرية؟

د. سمير صالحة – تلفزيون سوريا

أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بعد انطلاق عملية “المخلب – السيف” بدعم بري وجوي قبل أسبوع، تمسك أنقرة بتدمير منابع الإرهاب في شمالي سوريا والعراق.

قبل أيام أشار المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر، إلى أن العمليات العسكرية التي تنفذها القوات التركية شمالي سوريا، يتمركز فيها جنود أميركيون باتوا تحت الخطر.

قلق أميركي عميق من تصاعد التوتر وزيادة التصعيد الذي يهدد ما أحرزه التحالف الدولي على مر السنين لإضعاف وهزيمة داعش بحسب رايدر.

بالمقابل شددت الدول الضامنة لمسار أستانا، في بيان جولتها الـ19، على الحزم في مكافحة الانفصاليين والإرهابيين والدول الداعمة لهم، الذين يهددون سيادة سوريا وأمن الجوار.

ورفض المجتمعون “محاولات فرض حالة جديدة على الأرض تحت ستار مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الخطط غير المشروعة للحكم الذاتي”. آلية أستانا لم تحقق الكثير من وعودها وأهدافها، لكنها ما زالت تجمع أنقرة وموسكو وطهران مع النظام وقوى المعارضة السورية تحت سقف واحد.

تدور محادثات ومفاوضات مكثفة أميركية تركية بين الأجهزة الاستخبارية والعسكرية والدبلوماسية. وهناك أيضا حوار تركي روسي فشلت واشنطن في عرقلته نتيجة استبعاده حليفها المحلي عن الطاولات والمنصات الإقليمية.

في هذه الأثناء يرى البعض أن “قوات سوريا الديمقراطية” تلعب على الحبلين وتستغل الفراغ والتباعد بين الفرقاء المحليين والإقليميين على أكثر من جبهة لتحمي هيمنتها الجغرافية والاقتصادية على مساحات واسعة من سوريا، وتحولها لاحقا إلى مكاسب سياسية عند انطلاق عمليات التفاوض.

سيناريو التنسيق بين النظام وقسد لا يمكن أن يمر سوى عبر تفاهمات أميركية روسية فأي منهما يريد في هذه الآونة التي يحتاج معها إلى الدور التركي الإقليمي بينهما، أن يقحم نفسه في نقاش من هذا النوع مع أنقرة. الكرة في جميع الأحوال في الملعب التركي وحيث تعمل القيادات هناك على إعادة بناء سياستها السورية منذ فترة.

طالما أن قسد هي صناعة أميركية في شمالي وشرقي سوريا، دربتها ومولتها وحمتها حتى اليوم فلماذا تسمح لها بالخروج عن أوامرها والتغريد خارج السرب؟ وهل بمقدور قسد أصلا التحرك خطوة واحدة إلى الأمام أو الوراء دون التوجيهات والأوامر الأميركية، لتذهب وتبحث فرص التنسيق مع النظام في دمشق كي “يغدر” بتركيا ويرفض الجلوس أمام طاولة حوار ثنائي مشترك؟ تتمسك أنقرة بخطة تنفيذ عمليتها العسكرية البرية، لكن الهدف الأهم الذي تتطلع صوبه هو تحريك ملف التسويات السياسية في المشهد السوري لإنجاز اختراق متعدد الجوانب على أكثر من صعيد. وهذا ما يقلق قسد ويزعج واشنطن لأن مشروعهما في شرق الفرات قد يصل إلى طريق مسدود.

تتمسك واشنطن بدورها بعدم الإجابة على سؤال كيف ستتصرف عند إعلان أنقرة لساعة الصفر مجددا على حدودها الجنوبية وتحريك القوات للمرة الخامسة في إطار” سيف السلام” لإسقاط ورقة مقايضة الإرهاب بالإرهاب في شرق الفرات. قريبا تحسم تركيا موقفها للإجابة هي على السؤال الأميركي هذا. فشل ترتيب الطاولة المثلثة الأضلاع سيكون بديله الطاولة الثنائية التركية الروسية في سوريا.

الورقة الوحيدة المتبقية بيد إدارة بايدن والتي قد تلعبها ضد أنقرة، هي إبقاء مواطنيها “العسكريين” في مواقع مشتركة مع قسد خلال العمليات العسكرية التركية وتعريض أرواحهم للخطر وتكون بذلك قد أزاحت عن كاهلها عبء موازنة الأمور بين شريك محلي وحليف إقليمي.

فهل تقحم نفسها في مغامرة من هذا النوع؟سيناريو التفاهمات بين أنقرة والنظام ستكون مرتبطة بالعروض المتبادلة والتنازلات الممكن تقديمها في مسائل ثنائية وإقليمية وفي مقدمتها موضوع قسد وخططها السياسية والعسكرية، لكن الأمر يحتاج إلى مراعاة مسار العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وقوى المعارضة السورية المتمسكة برفض دعم خطوة من هذا النوع دون خريطة طريق سياسية حقيقية حول سوريا الجديدة.

بدأت موسكو تتحدث عن تمسك تركيا بعمليتها البرية في شمالي سوريا وصعوبة إقناعها بالتخلي عنها. الموقف الروسي يأتي بعد أيام على بروز مواقف أميركية مماثلة حيث أوصت واشنطن الرعايا الأميركيين “المدنيين” بعدم السفر إلى شمال سوريا والعراق، في ظل عمل عسكري محتمل من جانب تركيا هناك.

ما زال أردوغان يحاول مع واشنطن وموسكو وعبر أكثر من ورقة سياسية وأمنية أخذ ما يريد دون تحريك القوات. إذا لم تعط واشنطن لأنقرة ما تريده في شمال شرقي سوريا وتراجعت فرص الطاولة الثلاثية الأضلاع، فهي ستساوم موسكو وحدها على خطط حسم الملف السوري بكامله عبر الالتفاف على العقبات الأميركية.

ما إن أعلن الرئيس التركي قبل أيام أن بين أهداف العمليات البرية مناطق تل رفعت ومنبج وعين عرب، حتى تكثفت الاتصالات التركية الروسية والتركية الأميركية، لبحث سبل إقناع أنقرة بالتخلي عن خيار الحسم العسكري. يقوم العرض الأميركي على سحب قوات قسد إلى العمق السوري بعيدا عن الحدود التركية لمسافة 30 كم.

أنقرة تريد أكثر من ذلك: سحب أسلحة هذه المجموعات الثقيلة المقدمة لها من قبل واشنطن، حسم مسألة داعش ومعتقلاته في شرقي سوريا لإنهاء متاجرة قسد بالملف، تسليم قيادات وكوادر “حزب العمال” الموجودة في مناطق نفوذ قسد والتي تنسق معها هناك، تخلي قسد عن مشروعها السياسي في سوريا وإعلان أميركي رسمي بعدم دعم أي مشروع انفصالي أو تفتيتي يمهد لقيام كيان كردي بحكم ذاتي أو إداري مستقل رغما عن إرادة السوريين، إلى جانب مطلب دعم جهود تسريع التسوية السياسية في سوريا .

يقول بريت ماكغورك منسق مجلس الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن واشنطن تعمل على تجهيز بنية تحتية متكاملة للدفاع الجوي والبحري في الشرق الأوسط. في العلن روسيا وإيران هما أول المعنيين هنا.

لكن الرسالة هي تركية أيضا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تفعله القوات الأميركية في اليونان وقبرص اليونانية منذ عامين. تضع أميركا حليفها التركي الإقليمي وحليفها المحلي في سوريا قسد على مسافة واحدة في توجيه الرسائل.

لكنها تميل لصالح قسد أكثر خصوصا وهي تقول إن العمليات العسكرية التركية تهدد هدف محاربة إرهاب داعش وتعرض أرواح المدنيين الأميركيين للخطر.

الأسلوب الأميركي نفسه في مواجهة تركيا على الجبهتين السورية واليونانية ولكن بذرائع وأسباب مختلفة . يتحدث الإعلام التركي عن لائحتين تنشرهما واشنطن مرة كل عام : واحدة باسم المنظمات التي تعلنها هي أنها إرهابية.

وثانية تحمل اسم الدول التي تدعم هذه المجموعات . قسد غير موجودة على اللائحتين. فلماذا تبالغ أنقرة في تصعيدها ضد هذه المجموعات التي تنسق مع واشنطن في “محاربة إرهاب داعش” في سوريا؟ وإلى متى ستظل تراهن على تحول في الموقف الأميركي يعطيها ما تريد؟

يحاول الرئيس أردوغان تحريك الأحجار في سوريا على أكثر من جبهة: رسائل مشفرة إلى دمشق، رسائل علنية لقسد، ورسائل مبطنة إلى موسكو وواشنطن على السواء. لكن أردوغان يقول أيضا إن واشنطن التي ” أغرقت قسد بالسلاح تحت ذريعة محاربة داعش لن تعطينا الدروس في خطط الحرب على الإرهاب.

وصلت أرقام الدعم الأميركي المقدم لأوكرانيا في حربها مع روسيا إلى 100 مليار دولار. من حق مظلوم كوباني أن يقلق.

واشنطن قد تقرر سحب الأسلحة الثقيلة ووقف الدعم المقدم لمجموعاته وتحويله إلى كييف. لكن الذي يقلقه أكثر سقوطه في مصيدة مساومات تركية منفتحة على واشنطن وموسكو ودمشق على السواء.

تزايد في الساعات الأخيرة عدد الأصوات والكتابات التي تتحدث عن احتمال ذهاب تركيا إلى انتخابات مبكرة خلال 4 أشهر. عدد الذين يربطون بين العملية العسكرية البرية وأخذ أنقرة ما تريده دون القيام بها ليس بقليل أيضا.

فكيف سيترجم سياسيا وشعبيا في الداخل التركي، نجاح حزب العدالة بانتزاع ما يريد هو وحليفه السوري دون عمل عسكري جديد وتعريض أرواح الجنود الأتراك والمقاتلين السوريين للخطر؟

مقالات ذات صلة

USA