مساهمة مهمة من الأستاذ محمد صبرا (كبير المفاوضين السابق) عن اللجنة الدستورية وما تدلسه على السوريين: ——————————
يأخذ النقاش السياسي والشعبي والقانوني حول اللجنة الدستورية المنبثقة عن مؤتمر سوتشي الروسي عام 2018، اتجاهات متباينة، تتراوح بين التركيز على سوء أداء لجنة الخمسين، التي تزعم أنها تمثل الثورة، وارتباك أداء لجنة الـ 21 الملحقة بها، والتي تزعم أنها تمثل المجتمع المدني، وبين التركيز على الأسس القانونية لعمل اللجنة، وتناقض ذلك مع القرارات الدولية، وقد ساهم بعض الزملاء في كتابة عدة مقالات ثرية في هذا الصدد، أرى بأنها أضاءت على جوانب هذا الموضوع بشكل جيد
لقد حاول السيد ديمستورا أن يفرض ما سمّاه “السلال الأربعة”، وفي كل مذكراتنا ونقاشاتنا معه في قاعة المفاوضات رفضنا وبشكل قاطع وجود شيء اسمه السلال الأربعة ما يعني أن وضع الدستور الجديد، يجب أن يتم بعد تشكيل الحكم الانتقالي وليس قبله، والجهة التي ستشرف على هذا العمل هي هيئة الحكم الانتقالي، لأن القرار 2254 قال صراحة في مقدمته وفي مادته الثانية إنه يهدف لتنفيذ بيان جنيف، الذي نص صراحة في الفقرة (ب) من المادة (9) على أن الدستور في سوريا يضعه مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بإشراف هيئة الحكم الانتقالي، والجملة التي يدلس بها أعضاء لجنة سوتشي، والتي تحدثت عن صياغة دستور جديد في الفقرة الرابعة سالفا، هي فقط تحديد جدول زمني للعملية في المرحلة الانتقالية، وبعد تشكيل هيئة الحكم، وليس صياغة دستور أثناء التفاوض أو بعده، ولذا فإن ادعاء اللجنة الدستورية بأن القرار 2254 ينص على السلال الأربعة، هو ادعاء زائف لا يسنده لا نص القرار ولا بيان جنيف مطلقاً.هل وافقت الهيئة العليا للمفاوضات على السلال؟هذه الفِرْية التي يسوقها أعضاء لجنة سوتشي الدستورية لتبرير انخراطهم في هذه العملية، قائلين إن الهيئة العليا للمفاوضات وافقت على ما يسمى السلال، تتجاوز التدليس، لأنها تسوق مزاعم لا أساس لها من الصحة، وما يشجعهم على هذه المزاعم هو علمهم المسبق بأن الأعضاء السابقين في الهيئة العليا للمفاوضات، وفي وفد المفاوضات، يلتزمون بقواعد سرية المداولات، واحترام عدم نشر الوثائق والمذكرات المتعلقة بتلك المرحلة.لقد حاول السيد ديمستورا أن يفرض ما سمّاه “السلال الأربعة”، وفي كل مذكراتنا ونقاشاتنا معه في قاعة المفاوضات رفضنا وبشكل قاطع وجود شيء اسمه السلال الأربعة، أو أن ننخرط في مناقشة أي قضية تتعلق بصياغة دستور للبلاد، ينطلق موقفنا هذا من ثلاثة اعتبارات ذكرناها للسيد ديمستورا كتابة ومشافهة،
هذا موقفنا في عامي 2016 و2017، ولم نوافق مطلقاً على وجود هذه السلال، أو الانخراط بها، وحتى إن مصطلح السلال بحد ذاته رفضناه، وبقينا حتى آخر لحظة، ونحن نقول ليس من حق المعارضة أو النظام منفردين أو مجتمعين أن يكتبوا دستور سوريا المستقبلي، لأن هذا حق أصيل للشعب السوري، عبر ممثليه المنتخبين، وأن كل ما يجب مناقشته في جنيف هو تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، والإعلان الدستوري المؤقت الناظم لعملها حصراً خلال الفترة الانتقالية. هل تشكيل لجنة سوتشي الدستورية قائم على القرار 2254؟أيضاً من التدليس على السوريين، الزعم أن لجنة سوتشي قد تشكلت استناداً للقرار 2254،
ويحاول أصحاب هذا الزعم أن يستندوا إلى ما ورد في مقدمة اللائحة الداخلية للجنة الدستورية، التي أعلنها المبعوث الدولي بتاريخ 26 من أيلول من عام 2019 والمرسلة من قبل الأمين العام إلى مجلس الأمن في الوثيقة رقم S/2019/775، يقتطع أعضاء لجنة سوتشي الفقرة (2) من مقدمة اللائحة، والتي تقول بالحرف: “وتنفيذاً منه للولاية المسندة إليه بموجب قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، بما في ذلك تسهيل المفاوضات السورية – السورية،
ب- تحدد خطوات واضحة وفق جدول زمني مؤكد نحو تحقيق ذلك المنظور.
ج- يمكن أن تنفذ في جو يكفل السلامة للجميع ويتسم بالاستقرار والهدوء.
إضافة لما سبق فإن المادة التاسعة من بيان جنيف، والتي تحدثت عن الخطوات الواضحة في العملية الانتقالية، قد نصت صراحة في الفقرة “ب” على ما يلي: “الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلد، ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته في الجمهورية العربية السورية من المشاركة في عملية الحوار الوطني، ويجب ألا تكون هذه العملية شاملة للجميع فحسب، بل يجب أن تكون مجدية، أي أنه من الواجب تنفيذ نتائجها الرئيسية”.وتضيف الفقرة “ج” ما يلي: “على هذا الأساس يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية وتعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام”.
يزعم بعض أعضاء اللجنة الدستورية بأن القرار 2254 قد شكل تراجعاً عن بيان جنيف، وللأسف هذا الزعم يدل على سوء قراءة أو سوء نية في قراءة هذا القرارإذاً، بيان جنيف الذي صدّق عليه قرار مجلس الأمن رقم 2118، والذي جاء القرار 2254 لتنفيذه، وذلك وفقاً للمادة الأولى من هذا القرار، يحدد شكل ومضمون وتوقيت العملية الدستورية، حيث إنها يجب أن تأتي من خلال حوار وطني شامل، وليس من خلال توافق المعارضة والنظام، وهو أيضاً ما نصت عليه الفقرة الرابعة من القرار 2254، التي جعلت الأولوية هي لتشكيل هيئة الحكم الانتقالي خلال ستة شهور، وبعد ذلك خلال 18 شهراً يتم فيها صياغة الدستور الجديد.
ويزعمم بعض أعضاء اللجنة الدستورية بأن القرار 2254 قد شكل تراجعاً عن بيان جنيف، وللأسف هذا الزعم يدل على سوء قراءة أو سوء نية في قراءة هذا القرار، فالمادة الرابعة من القرار 2254 أعطتنا ما كنا نفتقده في بيان جنيف، وهو الجدول الزمني القصير، التي نص عليه بيان جنيف في الفقرة “ب” من المادة السابعة سالفة الذكر، كذلك فإن الفقرة الرابعة تحدثت عن الاتفاق على جدول زمني لعملية صياغة الدستور، وذلك لمنع النظام من المماطلة، ولم تتحدث عن صياغة دستور أو تعديله على الإطلاق.كذلك فإن أي مختص بالقانون الدولي يعرف نظرية الأثر التراكمي للقرار الدولي، فالقرارات الدولية لا ينسخ بعضها بعضاً، بل إنها تبني مجموعة من الخطوات المترابطة موضوعياً وزمنياً، حيث إننا نصبح إزاء منظومة عمل متكاملة، وهو ما نحن في صدده.
للأسف فإن روسيا التي عملت على تفتيت القرار 2254 عبر عدة خطوات، قامت باغتصاب حق السوريين الأصيل في تقرير مصيرهم ومستقبلهم، واغتصبت اسم “مؤتمر الحوار الوطني”، وذلك بعقد مؤتمر سوتشي تحت هذا الاسم، ولم يكن بإمكانها فعل ذلك، لولا أن ساعدها القبول والموافقة الصادران عن “الهيئة السورية للتفاوض” المنبثقة عن رياض 2، والائتلاف الوطني، ومجموعة أستانا، التي ساهمت جميعاً بمساعدة الروس على الخروج السافر، والاغتصاب المهين لحق السوريين في تقرير مصيرهم بأنفسهم.وللعلم فإن جمع المعارضة والنظام لا يعني مؤتمر الحوار الوطني، فكلا الطرفين لا يستطيعان ادعاء تمثيل المجتمع السوري صاحب الحق الأصيل في هذا المؤتمر، فمؤتمر الحوار مفهوم محدد ومضبوط بصفاته وشموله ومخرجاته، والأثر القانوني لهذه المخرجات وفقاً لبيان جنيف في المواد (7) و(8) و(9)، وليس وفقاً لما تراه روسيا والنظام، ومن سار معهما على درب تمييع فكرة الحوار الوطني من المعارضة.
ولذلك فإن ما نعيب به على اللجنة الدستورية، ليس قلة الكفاءة وسوء التشكيل والجهل المتحكم بأركان عملها وحسب، بل إننا ننعي بشكل أساسي على اللجنة الدستورية أنها مغتصبة لحق السوريين في كتابة دستورهم، الذي يجب أن يكون بعد حوار وطني شامل في أجواء آمنة وهادئة يستطيعون فيها أن يحددوا مستقبل بلدهم وشكل دولتهم، فعمل اللجنة الدستورية ووجودها يعتبر تنازلاً غير مبرر عن كل منظومة الحل السياسي التي نص عليها جنيف وقرارات مجلس الأمن، فضلاً عن أنه سيشكل حائلاً أمام قدرة السوريين على صنع مستقبلهم، فنحن لسنا أبناء مظلومية وضحايا حرب همجية فقط، بل نحن أبناء الحياة وأبناء المستقبل، وكما نريد وقف الحرب، فإننا وبالدرجة ذاتِها نريد بناء مستقبل لنا ولأولادنا، في ظل نظام وطني ديمقراطي، يبنيه السوريون جميعاً وليس ثلة من داعمي جرائم الأسد، بمعونة مجموعة نعرف من الذي سماها، ومن الذي جاء بها، فهذا الزواج بين النظام ومعارضته التي تشبهه، لن ينتج لسوريا سوى الخراب والمستقبل المظلم، الذي رأينا بعضاً من ملامحه في نقاشات لجنة سوتشي ووثائقها، إنها ليست عملية دستورية بل هي اغتصاب لحقوق السوريين جميعا.