في معرض التصدي الامريكي للملف السوري ومنذ عام 2014 قامت الولايات المتحدة الامريكية بدراسة صياغة قانون تحت مسمى ( قانون قيصر) وهو المصور الذي سرب اكثر من خمسين الف صورة لضحايا اجرام النظام السوري و باواخر عام 2019 تم تصديق هذا القانون من قبل الرئيس الامريكي على ان يتم تنفيذه خلال 180 يوما من تاريخ تصديقه وينتاول هذا القانون فرض عقوبات اقتصادية وبالاخص في مجال الطاقة والطيران على مجموعة شركات ومنظمات وهيئات وشخصيات سورية (مدنية وعسكرية) بدئا من راس النظام وانتهاءا باصغر حلقة من الهرم السياسي والاقتصادي و جميع ادواته ومليشاته الذين لهم دور في اتتهاك حقوق الانسان والجرائم المرتكبة ضد الانسانية بحق الشعب السوري
ويمكن القول بان قانون قيصر بمجمله ينقسم الى قسمين قسم متعلق بفرض العقوبات على مصرف سوريا المركزي وجميع المتعاملين معه بغض النظر عن جنسيته والقسم الثاني متعلق بكيفية رفع العقوبات عن النظام السوري ووفقا للمادة 101 من القانون فانه يتضمن ايضا الاجانب المنخرطين اي ان القانون يشمل نشاطات الجهات والشخصيات السورية وكذلك الجهات والشخصيات الاجنبية او الغير سورية وهو ماجاء بنص صريح بالمادة 101 اذ تنص على :
“(101): العقوبات المتعلقة بالبنك المركزي السوري والأجانب المنخرطين في تعاملات بعينها”
وان مايميز هذا القانون هو انه لايتناول فقط المؤسسات والمنظمات والشخصيات السورية وانما يتناول الدول والمؤسسات والمنظمات والشخصيات الغير سورية وكل من يظهرله علاقة بهذه الجرائم بدلالة الفقرة الثانية من المادة 101 من القانون حيث ينص على مايلي :
… (2) بيان بالأنشطة: يعتبر الأجنبي منخرطا في أي نشاط من الأنشطة المذكورة في هذه الفقرة إذا ما قام بالآتي:
(أ) إذا قدم متعمدا دعما ماليا أو ماديا أو تقنيا كبيرا، بما في ذلك الانخراط في أو تسهيل معاملة أو معاملات أو خدمات مالية مهمة إلى:
(*) الحكومة السورية (ومن بينها المرافق الحكومية الناشطة في الأعمال التجارية)، البنك المركزي السوري، ويشمل ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية أو قواتها المسلحة، أو أيا من وكلائها أو مؤسساتها الفرعية، أو بيع أو تزويد سلع وخدمات وتكنولوجيا ومعلومات هامة، أو تقديم دعم قد يفيد مباشرة وبشكل أساسي في تسهيل صون أو زيادة الإنتاج المحلي السوري من الغاز الطبيعي، أو المنتجات البتروكيميائية أو النفط أو المنتجات النفطية ذات المنشأ السوري،
- البيع إلى سوريا أو تزويدها بنفط خام أو مكثفات، أو منتجات نفطية مكررة، أو غاز طبيعي مسال، أو منتجات بتروكيميائية بقيمة سوقية تبلغ 500 ألف دولار أو يزيد، أو تلك التي تصل قيمتها السوقية الإجمالية مليوني دولار أو يزيد خلال 12 شهرا
- بيع أو تزويد طائرات مدنية أو قطع غيار أو سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أساسية ذات صلة بتشغيل الطائرات أو شركات الخطوط الجوية لأي شخص أجنبي يعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية،
وبدلالة هذه المواد فانه من المؤكد بان تنفيذ هذا القانون سيطال كل من له علاقة بالنظام السوري من الشركات والمنظمات الدولية والشخصيات وبالاخص الشركات والمؤسسات الروسية والايرانية والصينية واللبنانية وكذلك جميع الشخصيات والمليشيات التابعة لهذه الجهات والتي لم تعد هناك ادنى شك بدورهم الاكبر في هذه الجرائم التي تندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية وبالتالي هم بنظر القانون شركاء وفاعلين اساسيين بالجرائم المرتكبة لانه لولاهم لما تم ارتكاب هذه الافعال وباعتقادي بان قوة هذا القانون والمؤيد الجزائي له يكمن في طبيعة هذا القانون الذي يعتبر من القوانين الداخلية للولايات المتحدة الامريكية حيث تم تخصيص الموارد الاقتصادية لهذا القانون ضمن ميزانية وزارة الدفاع وشارك في صياغتها جميع المؤسسات الامريكية ذات العلاقة بمعنى ان هذا القانون ليس مجرد قانون يخص دولة خارجية فقط ويمكن غض النظرامريكيا عن تطبيقه او عدم تطبيقه وانما هو مثله مثل اي قانون داخلي ملزم تطبيقه في الولايات المتحدة الامريكية وان القانون الامريكي هو المرجع الاساسي في الكثير من اجراءات تنفيذ هذا القانون وعلى سبيل المثال لاالحصر اذ ورد نص بالمادة 101 من قانون قيصر فيما يتعلق بصلاحيات الرئيس بتطبيق القانون حيث ورد فقرة تنص على مايلي :
“سيتخذ الرئيس الإجراءات الواردة بالمادة 5318 أ (ب) (5) من العنوان رقم 31 من قانون الولايات المتحدة”
علما بان موجبات وحيثيات هذا القانون يغلب عليها الطابع السياسي اكثر ماهو الطابع القانوني المحض والغاية منه هو اجبار النظام السوري وحلفائه السير جديا بمفاوضات جنيف والقبول بالحل السياسي وفق مقررات جنيف وخاصة القرار 2254 الذي يتهرب منه النظام وحلفائه لانهم يدركون جيدا بان تطبيفه يعني انهاء نظام الاستبداد ومرتكزاته الاساسية وتشكيل حكومة تعبر عن تطلعات جميع السوريين ولهذا اعتقد بان الولايات المتحدة الامريكية في معرض تطبيقه للقانون لايمكن لها ان تغض النظر عن اي طرف يتناوله هذا القانون وانما ستقوم بتطبيقه على مراحل وفقا للمسار السياسي والتفاوضي للملف السوري ومدى التزام اطراف الصراع بهذا المسارومقرراته وخاصة ان شروط وقف تنفيذ القانون او رفع العقوبات وفقا لهذا القانون مرهون بجملة شروط قاسية على النظام السوري ( عدم قصف المدنيين ورفع الحصار والافراج عن المعتقلين السياسيين وعودة المهجرين ومحاسبة مرتكبي الجرائم…) هذا اذا اخذنا بعين الاعتباربان الاثار القانونية لتطبيق القانون سيؤثر مباشرة على النظام السوري ومؤسساته وشخصياته ومن ثم على حلفائه ومؤسساتها وشخصياتها وسيزيد الوضع الاقتصادي المأزوم اصلا اكثر سوءا فضلا عن الازمة الاقتصادية التي ستعصف بالشعب الذي هو منهك اساسا ويعيش حالة الجوع والحرمان وباعتقادي ان التأثيرات السلبية المباشرة لتطبيق القانون لايسري فقط على المناطق تحت سيطرة النظام وانما يسري ايضا على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وتحديدا المناطق التي تتعامل بالعملة السورية كعملة رسمية وحيدة في تعاملها الاقتصادي وبالاخص مناطق الادارة الذاتية التي تحظر التعامل بالعملة الغير سورية ضمن مؤسساتها حيث جميع تعاملها الاقتصادي والتجاري سواء مع بعضها البعض كمؤسسات اوفي تعاملها مع الافراد هي فقط بالعملة السورية ( الرواتب والعقود التجارية ومعاملات البيع والشراء….) بعكس مناطق الشمال السوري الخاضعة للنفوذ التركي التي لن تتاثر كثيرا بهذه العقوبات كونها اعتمدت العملة التركية بالاضافة الى العملة السورية كعملة رسمية في تعاملها الاقتصادي
وللعودة الى مواد قانون قيصر ولاسيما المادة 101: العقوبات المتعلقة بالبنك المركزي السوري والأجانب المنخرطين في تعاملات بعينها
والمادة 102التي تنص على المحظورات فيما يختص بنقل الأسلحة والمواد المتعلقة بها إلى سوريا والمادة 202 الذي ينص على فرض عقوبات على نقل سلع أو تقنيات إلى سوريا من المرجح أن تستخدم في ارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان
فان تطبيق القانون سيطال بشكل مباشرة جميع الشركات والموسسات والشخصيات الروسية والايرانية واللبنانية وحتى بعض الدول الخليجية
هؤلاء الذين هرولوا استباقا لفتح مكاتبها في سوريا لاعادة الاعمار والقيام بالمشاريع و الاستثمارا ت ابتهاجا بالنصر العسكري المزيف للنظام وحلفائه في ظل النزيف المستمر للدم السوري والصرعات القائمة التي تتطلب حلولا جذريا للمعضلة السورية ولهذا يبدو ان السياسة الامريكية باتت جليا بان من يستبق الشىء قبل اوانه يعاقب بحرمانه وفقا للقاعدة القانونية الدارجة وبالتالي سيؤدي تطبيف القانون الى اخراج حلفاء النظام خاوي اليدين من الامتيازات المحتملة لسياسات هذه الدول ليس هذا فحسب بل ربما قد يودي الى الهروب المحتمل لمعظم هذه الشركات والمؤسسات من سوريا