وكالة زيتون – تقرير خاص
يكاد لا يمضي أسبوع أو اثنان دون أن يهز انفجار سيارة مفخخة أو عبوة ناسفة أرجاء ريفي حلب الشمالي والشرقي
بدأت أحداث الأسبوع الدامي بانفجار سيارة مفخخة في منطقة الصناعة في مدينة عفرين شمال حلب، والتي أدت إلى استشهاد 8 مدنيين وأكثر من 25 مصاب بينهم أطفال، سبق ذلك بأيام تفكيك سيارة في مدينة جنديرس كانت معدة لاستهداف سوق شعبي.وعقب ساعات من انفجار عفرين، ضربت سيارة مفخخة وسط مدينة إعزاز ما أدى إلى استشهاد 6 مدنيين وأكثر من 30 إصابة، إضافة إلى اندلاع حرائق كبيرة ودمار واسع في ممتلكات الأهالي والمحال التجارية القريبة من مكان الحادثة.وتزامن الانفجار في مدينة إعزاز مع إقدام انتحاري يقود سيارة من طراز سنتافيه على تفجير نفسه في حاجز للجيش الوطني السوري شرق مدينة الباب ما أدى إلى استشهاد ستة عناصر وإصابة أربعة آخرين بجروح.الجهات المستفيدة من هذه الهجمات
أولاًً: ميليشيا “قسد” والتي تعتبر المستفيد الأول من هذه الهجمات، خاصة وأن بعض المناطق سيطر عليها الجيش الوطني بعد طردها منها بعملية غصن الزيتون وأخرى بعملية درع الفرات ضد تنظيم داعش والتي قطعت الطريق أمام قسد للتقدم نحو جرابلس والباب وإعزاز.وقد ضبط الجيش الوطني السوري خلال السنوات الماضية عدة خلايا مرتبطة بـ”قسد” في مناطق سيطرته شمال وشرق حلب، والتي اعترفت بتنفيذ هجمات بعبوات ناسفة وسيارات مفخخة مقابل مبالغ مالية.
ثانياً: نظام الأسد، ويعتبر زعزعة الأمن والاستقرار في شمال غربي سوريا هدفاً لنظام الأسد ويسعى لتحقيقه وذلك لإظهار إدارة المنطقة من الحكومة المؤقتة والجيش الوطني بأنها عاجزة وغير قادرة على تحقيق الأمان لساكنيها، كما أن هذه التفجيرات قد تكون في حال وقوف النظام خلفها رسائل رد على الحركة العمرانية الكبيرة فيها وإقامة تركيا للمنشأت والمناطق الصناعية فيها.
ثالثاً: تنظيم داعش، من المرجح أن يكون التنظيم مسؤولاً عن بعض هذه العمليات والتي تأتي انتقاماً من طرده من المنطقة في إطار عملية درع الفرات، إضافة إلى أنها قد تكون جزءًا من حرب الاستنزاف التي أعلن التنظيم عنها عقب مصرع زعيمه أبو بكر البغدادي في غارة أمريكية شمال إدلب.
أسباب تكرار هذه الهجمات
يرى الناشط المدني “معتز ناصر” أن غياب عقوبة القصاص الرادعة بحق من ثبت تورطه في مثل هذه التفجيرات شجع الخلايا على متابعة عملها في ريف حلب.واعتبر “ناصر” في حديث لـ”وكالة زيتون” أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى تكرار الخروقات الأمنية في ريف حلب، عدم وضوح التوصيف السياسي للمنطقة، وتعبيتها الإدارية والسياسية، وعلاقتها بالحليف التركي، الأمر الذي يسبب فجوة كبيرة في التنسيق بين المؤسسات وضبابية بمرجعيتها.
وأضاف أن تراجع القيم الدينية والأخلاقية بسبب حالة الحرب والتهجير والفقر وانعدام فرص التنمية المحلية وانتشار المخدرات وسيطرة اليأس والتشاؤم عن بعض الناس، في ظل عدم وجود مؤسسات أو نشاطات ترفع سوية القيم الإيمانية والأخلاقية وتعززهما لدى الناس، أحد أسباب لجوء البعض للتعامل مع ميليشيا قسد أو نظام الأسد.
وحمل “ناصر” المؤسسات الأمنية والعسكرية في المنطقة المسؤولية عن استمرار هذه الهجمات، وقال: “إن تصدر غير الأكفاء لقيادة المفاصل العسكرية والأمنية وعدم امتلاك بعضهم للخبرة اللازمة والعملية أو المؤهل العلمي وغياب آلية محاسبة المقصرين يخلق جواً مشجعاً على الفساد والتقصير”.
ويضاف إلى ذلك، بحسب ناصر، ضعف إمكانيات المؤسسة العسكرية والأمنية في ريف حلب وعدم وضوح تبعيتها وأنظمتها الداخلية وعلاقتها ببعضها وضعف الحوافز المادية المقدمة لمنتسبيها في وقت تمتلك به مؤسسات العدو خبرة أكبر وموارد أقوى، إضافة إلى غياب آليات الحوكمة وسيادة القانون أدت إلى وجود فجوة بين المؤسسات وعموم الشعب.
وأردف: “كل هذه الأسباب أو أغلبها تنتفي في حال وجود قرار حقيقي بالإصلاح من الحليف التركي، كون أن تركيا هي الضامن لهذه المنطقة، وصاحبة السلطة الأعلى فيها، وهي من يعطي المؤسسات كتلها المالية، وتسير هذه المؤسسات على قانونها، خاصة أن نسبة كبيرة من الشاغلين للمفاصل القيادية بهذه المؤسسات أصبحوا من حملة الجنسية التركية”، حسب قوله.
الجيش الوطني السوري يعلق
علق مدير دائرة التوجيه المعنوي التابعة للجيش الوطني السوري “حسن الدغيم” على تكرار هذه الحوادث، مؤكداً في حديث لـ”وكالة زيتون” أن تصريحاته “توصِّفْ” القضية ولا تتبرر أو تنفي مسؤولية الجيش الوطني وقواه الأمنية عن حماية المنطقة.وقال الدغيم: “إن عدونا متعدد ووقح ومدعوم من الصقور الدوليين وميليشيا قسد مدعومة من أقوى قوة في العالم، كما أنه إلى جانب تنظيم داعش يحمل إيديولوجيا دموية سادية”، مؤكداً أن الجيش الوطني وقوى الثورة “تجرم” بشكل قاطع استخدام السيارات المفخخة وماشابهها ضد المدنيين في المناطق المحتلة “أسدياً وقسدياً” ولا يمكن أن يرد بالطريقة نفسها التي يستخدمها الإرهابيون.
وأشار إلى أن فرق الهندسة في الجيش الوطني السوري أحبطت مفعول عشرات العبوات والسيارات المفخخة قبل تفجيرها من قبل الإرهابيين، وتم اعتقال الكثير من العناصر المنتمية للشبكات الإرهابية في ريفي حلب الشمالي والشرقي.
وحول أسباب استمرار تكرار هذه الحوادث، اعتبر “الدغيم” أن هناك أزمة دستورية في “السلطة التنفيذية” المؤقتة بسبب رفض المجتمع الدولي منحها الاعتراف القانوني، في وقت يوجد للإرهاب رعاة وسماسرة، مضيفاً أن عدم تطبيق عقوبة الإعدام بحق المجرمين هو أكبر عقبة أمام تمكين الأمن والعدالة في المناطق المحررة.
إدانة دولية للهجمات الإرهابية في المناطق المدنية
أدانت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية “نيد برايس” الهجمات الإرهابية التي وقعت في إعزاز والباب وعفرين، معربة عن قلقها العميق من تكرار مثل هذه الهجمات في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الاستخدام المتكرر للأجهزة المتفجرة المحمولة بالسيارات.
وأكد المتحدث على ضرورة تقديم المسؤولين عن ارتكاب أعمال العنف إلى العدالة، معرباً عن تعازيه الخالصة لأسر المدنيين القتلى، متمنياً الشفاء العاجل للجرحى جراء ما وصفه بـ”أعمال العنف الدنيئة التي لا معنى لها”.
ووصف نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “مارك كاتس” هذه الهجمات بأنها الأحدث في سلسلة من الهجمات العشوائية على المدنيين، مؤكداً ضرورة إيقاف هذه العمليات، كما ندد ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” “بو فيكتور نيلوند” بهذه التفجيرات، معتبراً أنها “تذكير صارخ بأن العنف مستمر في سوريا، وأن الأطفال لا يزالون في خطر يوماً بعد يوم”.
ونددت المملكة المتحدة بالهجمات ودعت جميع الأطراف إلى الالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية، في حين أكدت وزارة الدفاع التركية وقوف ميليشيات قسد خلف الهجوم، وقالت “إن قسد ليس لها أي غرض سوى حصار شمالي سوريا بالدماء”.