هبة محمد
دمشق – «القدس العربي»: 24/6/2021
تكشف موسكو مجدداً عن تعنتها إزاء فتح المعابر الإنسانية، لأغراض سياسية واقتصادية، تأتي في سياق مواصلتها حصار المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، ومحاولتها إخضاع ما تبقى من الجغرافيا السورية، والضغط على النازحين هناك لإجبارهم على العودة إلى سلطة النظام، فضلاً عن مساعيها الحثيثة لكسر قانون قيصر، والالتفاف عليه عبر الاستفادة من المساعدات المخصصة للاجئين لصالح التجار المدرجين ضمن لوائح العقوبات الأمريكية ورغبتها بالتحكم بالأموال والمساعدات الإنسانية ونهب معظمهم أسوة بالمساعدات التي كانت تخصص للمناطق المحاصرة سابقاً حمص والغوطة الشرقية والغربية، في دوما ومعضمية الشام وغيرها.
وفي جديد هذا الملف، لوح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، رفض حكومة بلاده تمديد تفويض إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود مع تركيا، وقال إن موسكو لا تتوافق في الرأي مع الأمم المتحدة والدول الغربية، حول عدم وجود بديل لإيصال المساعدات الإنسانية لشمال غربي سوريا، إلّا عبر تركيا، ولمح لافروف عبر بيان شفوي نقله إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وحصلت وكالة «أسوشيتد برس» على نسخة منه أمس، أن روسيا ستمنع الأمم المتحدة من تجديد تفويض معبر «باب الهوى» الحدودي والذي سينتهي تفويضه في 10 تموز المقبل. واعتبر أن سيطرة تركيا على ملف تقديم المساعدة الإنسانية لسوريا، «غير مقبول» مضيفاً «منذ نيسان 2020 شهدت روسيا محاولات متواصلة لعرقلة قوافل إنسانية مشتركة من قبل الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري إلى شمال غربي إدلب، من العاصمة السورية دمشق، من قبل (هيئة تحرير الشام) وبتواطؤ من أنقرة».
زاعمًا أن «الخطوات الإيجابية» من قبل الجانب التركي لتوصيل المساعدات، لا تحظى بإثبات على أرض الواقع.
ميدانياً
وأصيبت امرأة بجروح خطرة، وطفلان أحدهما ابنها، صباح الأربعاء، بقصف مدفعي من قبل قوات النظام استهدف محيط مدينة الأتارب غربي حلب.
وقالت فرق الدفاع المدني السوري إنها تفقدت مواقع الاستهداف للتأكد من عدم وجود إصابات أخرى.وتشير المعطيات إلى أن قوات النظامين السوري والروسي، وسعت من حملتها العسكرية على ريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب للأسبوع الثالث، لتشمل لاحقاً ريف حلب.وذكرت «الخوذ البيضاء» أن وتيرة التصعيد تتعاظم، باستخدام الأسلحة المتطورة، التي راح ضحيتها حتى اللحظة 32 شخصاً بينهم طفلان وجنين و5 نساء، ومتطوع في الدفاع المدني السوري، كما أصيب 69 آخرون بينهم أطفال ونساء.
فيتو روسي
واستخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن في تموز 2020 لمنع تمديد قرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبري باب الهوى وباب السلامة دون موافقة النظام إلى الشمال السوري. وأبدى اعتقاده أن ما تقوم به الدول المانحة، يأتي ضمن أساليب الابتزاز حيث قال «على روسيا مقاومة أساليب الابتزاز التي تتخذها الدول المانحة، الذين يهددون بقطع المساعدات لسوريا إذا لم يتم تمديد تفويض باب الهوى.
وقال «نعتقد أن المزيد من التنازلات للأمريكيين والأوروبيين تحت ضغط التهديدات المالية ستقوض مصداقية الأمم المتحدة وميثاقها، وقرارات مجلس الأمن التي تنص على احترام سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد، والامتثال للقانون الإنساني الدولي».
وفي 26 من الشهر الماضي ناشد منسق مساعدات الأمم المتحدة، مارك لوكوك، مجلس الأمن عدم قطع شريان الحياة للمساعدات التي تمر عبر الحدود، لحوالي ثلاثة ملايين سوري في شمالي سوريا. ولمواجهة هذا التعنت، طالبت نحو 80 منظمة إنسانية وطبية عاملة في الشمال السوري، والدفاع المدني السوري، الأربعاء، في بيان لهم، خلال مؤتمر صحافي عقد في ريف إدلب، تحت عنوان «شريان الحياة» الدول الأعضاء في مجلس الأمن بتجديد التزامها بحياد المساعدات الإنسانية وتجديد قرار مجلس الأمن الخاص بالعمليات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا، والتزام المجتمع الدولي بمسؤولياته ومنع تحويل ملف المساعدات الإنسانية والطبية المنقذة للحياة لملف للابتزاز بيد روسيا ونظام الأسد.
وشارك في التوقيع على البيان أكثر من 80 منظمة إنسانية وطبية، كما شارك عدد من ممثلي المنظمات بكلمات لهم في المؤتمر الذي عقد بمخيم «العامرية» في ريف إدلب الشمالي، كما جرى بعد الانتهاء من قراءة البيان والمداخلات، وقفة لممثلي المنظمات والصحافيين والناشطين المشاركين بحضور المؤتمر.
وأكد البيان، أنه لا يمكن التخلي عن هذه الآلية طالما لم يكن هناك تحسن كبير في الوضع الإنساني، أو دفع مسار عملية السالم حسب قرار الأمم المتحدة، إذ تم اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2165 (2014) وتمديداته اللاحقة نتيجة طبيعية لاستمرار الظروف التي تعرقل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المختلفة داخل سوريا، وبالتالي تقرر أن يُسمح لوكالات الأمم المتحدة، وشركائها المنفذين باستخدام الطرق المختلفة لإيصال المساعدات عبر المعابر الحدودية، وذلك لضمان أمثل لوصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المستلزمات الطبية والجراحية، إلى الأشخاص المحتاجين في كافة أنحاء سوريا عبر أكثر الطرق مباشرةً.
وأشار البيان إلى أن الفشل في تجديد القرار بتمديد تفويض إدخال المساعدات سيكون أثره كارثياً على الوضع الإنساني، وسيؤدي لتوقف حملة اللقاح ضد فيروس كورونا المستجد في شمال غرب سوريا، كما ستتوقف السلال الغذائية عن الوصول إلى 4.1 مليون شخص شهرياً، فضلاً عن تعطل وصول للمياه وخدمات الإصحاح والصرف الصحي، وسيكون لمثل هذا الأمر تداعيات خطيرة على السكان، تشمل زيادة معدلات الأمراض وتفاقم المعاناة الإنسانية بشكل مأساوي ، وذلك أمٌر لا مفر منه في منطقة يعاني فيها واحد من كل ثلاثة أطفال من سوء التغذية، فالحاجة ماسة لزيادة مستوى الوصول وتوسيع النطاق للبرامج الإنسانية، بدلاً من السعي لإغلاقها.
وقال منير المصطفى نائب مدير الدفاع المدني السوري، خلال كلمته التي ألقاها في المؤتمر أن الضغط على الجانب الإنساني من قبل النظام وروسيا هو جزء من سياستهم ضد السوريين، وهو استكمال لحربهم ضد الشعب السوري، وأضاف المصطفى، أنه حتى لو تم تمديد قرار إدخال المساعدات لستة أشهر أو عام أو فتح معابر جديدة، ورغم أهميته، لكنه يبقى حلاً آنياً، ولا يمكن أن يكون هناك استجابة طويلة الأمد لأكثر من 4 ملايين مدني في شمال غربي سوريا بينهم 2 مليون فقدوا مصدر رزقهم ووجدوا أنفسهم في العراء إلا بإنهاء جذري لسبب مشكلتهم لا بمعالجة النتائج.
ويبقى الحل طويل الأمد للأزمة الإنسانية في سوريا هو حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، فحل الأزمة الإنسانية يرتبط مباشرة بحدوث تغيير شامل ينهي حقبة القتل والتهجير، وذلك بمساعدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على أن يبدأ بوقف هجمات النظام وروسيا على المدنيين في شمال غربي سوريا وعودة المهجرين قسراً لمنازلهم وبمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومنها جريمة التجويع كسلاح أمام محكمة الجنايات الدولية.
المساعدات الإنسانية والدوائية هي حق غير قابل للمساومة والابتزاز، وفق رأي مصطفى، الذي قال «السوريون اليوم ينتظرون تحركاً حقيقياً ينهي مأساتهم لا تحركاً يكتفي ببقائهم على قيد الحياة ليموتوا كل يوم ألف مرة بينما قاتلهم أمامهم دون محاسبة أو مساءلة.القيادي السوري العقيد فاتح حسون، أشار في حديث مع «القدس العربي» إلى أن الروس كانوا يحاولون أن يفرضوا إعادة سيطرة النظام على المعابر الأساسية وخاصة باب الهوى لعدم قدرة نظام الأسد على الوصول إلى تلك المنطقة، ولذلك يتاجرون بهذه القصة بهدف تحقيق شيء من النصر المعنوي.
وأبدى المتحدث اعتقاده بأن موسكو تعمل على استغلال الأزمة الإنسانية والاستفادة من الحاجات الإنسانية للاجئين للتفاوض على ملفات أخرى مع أمريكا وتركيا والدول الغربية، وتحقيق عدة أهداف، على رأسها إعطاء النظام جزء من الشرعية بتواصل المنظمات الأممية معه من أجل مساعدة اللاجئين.
وقال حسون «كما أن روسيا تساوم في هذا الملف تركيا لأنه في حال تم اغلاق المعبر فهذا سيؤدي إلى تقليص النفوذ التركي في الشمال السوري ونفوذ منظماتها الإنسانية كما يهدد امنها القومي بسبب وجود منظمات للنظام ستعمل في المنطقة قرب قطعاتها العسكرية في سوريا والى جانب حدودها».
الأهداف السياسية
وحول الأهداف السياسية يقول حسون إن أهمها هو «إعطاء فرصة للنظام كخطوة من أجل إعادة التطبيع مع الدول المانحة التي سوف تقدم الأموال» مع وجود أغراض أمنية تتلخص بـ «من سيقوم بتنفيذ المشاريع والمساعدات الإنسانية هي منظمات النظام على رأسها الهلال الأحمر الذي في مجلس إدارته شخصيات مصنفة على قوائم العقوبات الأمريكية، إضافة للمنظمات التي ستضم شخصيات موالية لروسيا وإيران ستتحرك بحرية في منطقة إدلب التي تضم الشعب السوري الثائر».
فضلًا عن وجود أغراض اقتصادية، تتمثل بكسر قانون قيصر (سيزار) والالتفاف عليه بأن تكون المساعدات التي تأتي للاجئين عبر النظام بحيث يستفيد منهما التجار الذين وقعت عليهم العقوبات الامريكية فيكونون البديل التجارة المتعلقة باحتياجات اللاجئين، بالإضافة إلى نهب ما يقل عن 70% من المساعدات التي سوف تأتي مثلما حدث في المناطق المحاصرة سابقاً حمص والغوطة الشرقية.
وعلى الطرف المقابل، ستخسر المعارضة منظماتها الشرعية المعطاة لها من الأمم المتحدة بسبب التعامل المباشر معها والعلاقات مع الدول المانحة، وتذهب مكانتها ما بين الحاضنة الشعبية للثورة وقد يؤدي ذلك إلى حل معظم هذه المنظمات.
بالتالي ستطالب روسيا بإعادة هيكلة اللجنة الدستورية التي ثلثها من منظمات المجتمع المدني بأن يتم اخراج ممثلي المنظمات المحسوبة على الثورة وإدخال ممثلي منظمات التي تقووم بالأعمال الإنسانية التابعة للنظام بدلاً عنها مما يغير في ميزان عضوية اللجنة الدستورية نفسها.