وجع السوريين بلا ضفاف. فضّلوا الغرق بالبحار على استمرار العبودية والاستبداد. قَتَلهم “نظامهم” بالبراميل والسلاح الكيماوي. جَلَبَ مرتزقة ليفاقم قهرهم. تم اغتيال من قال منهم: “الموت ولا المذلة”. أو ” يا فوق الأرض بكرامة، يا تحت الأرض بكرامة”. حرق المعتقلين وقتلهم تحت التعذيب. حَرق حلفاؤه في لبنان مخيمات مَن هربوا من صواريخه. سرق مقدّرات البلد؛ ونمّى تجار الحرب. أطلق مجرمين متطرفين من معتقلاته، ليكونوا قادة “داعش”. جلب الروس وطائرات السوخوي لتدكَّ أسواقهم ومشافيهم ونقاطهم الطبية الباقية لتضميد جراح أطفالهم.
استخدم الايرانيين وحزب حسن نصرالله لتغيير ديمغرافي يبقي له مجتمعاً خانعاً سمّاه “متجانساً. حُماته الروس استخدموا الفيتو، كي يمنعوا العدالة والقصاص، ويفرغوا القرارات الدولية من مضامينها..كل ذلك ولفترة تقارب العقد من الزمن، والجرح السوري ينزف. والمجتمع الدولي إما غافلاً أو متغافلاً أو متلاعباً، أو معتبراً إننا “صيدة”؛ وتفلتت من يده. و”قائد العالم الحر أوباما” يحذر من تجاوز “الخط الأحمر”، وتذهب قضية السوريين العادلة “فرق عملة” بتصافق أوباما مع ملالي طهران.
كل ذلك، ومَن تصدى للدفاع عن قضيتهم يتراقص بين الجهل والحذلقة والمحاصصة والمناكفة والمزاحمة والإقصاء والتشابك العبثي السخيف لتضيع قضية هي الأشرف في التاريخ الحديث. كل ذلك، وإسرائيل تمر بزمن ذهبي لدمار محيطها، الذي ما أشعرها لحظة أنها بأمان، وتستمر بالتبطح على حق السوريين والفلسطينيين؛ حيث أتاها من كفاها، بتدمير ما ومَن سعت لتدميره تاريخياً.. لقد راقها الشعار الأسدي: “أحكمها أو أدمرها”؛ فإن استمر، بقيت في أمان؛ وإن رحل، هناك بلد مخيف مُدَمَّر لا تقوم له قائمة بزمن.كما لدى السوري ألف سبب وسبب للإحباط والحزن واليأس والانتكاس والارتكاس؛ لديه أكثر من ألفين وسببين للأمل والعمل والانطلاقوالحال هكذا ماذا تبقى لنا؟ إنه السؤال المثير للحزن واليأس والإحباط؛ ولكن، ليس كلاماً معسولاً، ولا تدليساً، ولا نفخاً في قِرب مثقوبة، ولا وهماً أو أحلام يقظة أو تفكيراً أمنياتياً رغبوياً؛ بل حقائق واقع مكتوبة بالدم والواقع والمحسوس؛ لقد تبقى الكثير للسوريين.
وعناصر القوة في حياتهم أيضاً بلا ضفاف. إنها بكثرة عددهم. ولن يغلبهم غالب. فما يدّعيه نظام الاستبداد من “انتصار” ليس إلا خزياً وعاراً وهزيمة؛ فلا ينتصر نظام على شعبه.كما لدى السوري ألف سبب وسبب للإحباط والحزن واليأس والانتكاس والارتكاس؛ لديه أكثر من ألفين وسببين للأمل والعمل والانطلاق. بداية من الأرض السورية؛ فلن يتمكن أحد من سرقة سوريا الجغرافيا والتاريخ والذاكرة، وشحنها إلى طهران أو موسكو؛ ولا الروس أو الإيرانيون قادرون على البقاء فيها أبدياً. فما استعمار دام، ولا طاغية خلّد. ملفات الإجرام التي راكمها نظام الاستبداد على كاهله لا تصيبه فقط، بل تطول مَن حَماه أيضاً.
هم شركاء في الجرائم؛ والعالم يعرف ذلك. المحاكم الإقليمية تستقبل ملفات إجرامهم؛ و”لاهاي” ستكون يوماً بالانتظار؛ ولا يمكن للمراوغة أو البهلوانية أن تنجيهم من ذلك. ومن هنا يسعون إلى تركيب أو تلفيق أي حل لإحساسهم بفداحة خطر المستنقع. التذاكي والتكتكة والمكابرة لن تنفعهم لتفصيل حل ينجيهم.ها هو الشريان المالي والاقتصادي/ مصرف النظام المركزي/ يُوضع بحالة شلل كامل؛ وها هي عائلة رأس النظام، وكل من حولها يتم تكبيلهم مالياً بالمطلق؛ فلا مقدرة على الصرف؛ ولا يمكن لأحد أن يتلوّث بهم مادياً. وها هو عبث حيتان السرقة وتجار الحرب، الذين بدؤوا ينهشون بعضهم البعض، في حالة شلل مادي ومعنوي. وها هي الملايين التي يأخذها الاستبداد رهينة خوفاً أو جهلاً أو مصلحة؛ والتي يوجعها، ويسرقها، ويستخدمها، ويحرمها من آدميتها؛ تبدأ بالتململ واستشعار الحصار؛ وانقلابها قادم لا محالة.بيدِ السوريين قرارات دولية – رغم أنها بلا أسنان- إلا أن الحقوق فيها واضحة: الانتقال السياسي، والتغيير، والخلاص. روسيا وإيران، الوحيدتان اللتان تحميان النظام، ذاتهما بالويل؛ تتراقصان بين الفشل والفشل؛ سجلهما أسود؛ مسلكهما البلطجة والقتل. معظم دول العالم تناصبهما العداء. على الأقل تعرف دكتاتوريتهما أن سياستهما مبنية على الدجل والخبث والبهلوانية وعقل العصابة.
حتى إسرائيل، التي تدين للنظام بجزء أساسي من حفظ أمنها تاريخياً، لن تتمكن من إنقاذه رغم الوساطة التطبيعية الروسية الخبيثة، ورغم الانفتاح العربي عليها؛ فرغم وساختها، ورغم الدم الذي تحمله، والحقوق التي اغتصبتها، إلا أنها لن تستطيع تحمّل سجله الإجرامي؛ فهو ورقة محروقة. على الأقل ملالي طهران لن يمرروا له ذلك؛ وينسفوا مبرر بقائهم.هناك سوريون نماذج تُحتذَى في بلاد الاغتراب واللجوء؛ وهناك من المحيط الذي انتمى إليه أهل سوريا يدرك أنه إن لم يقف إلى جانبهم سيكتوي بنيران ومظلومية إخوتهصحيح أن الكثيرين تخلّوا أو أداروا ظهرهم للقضية السورية لأسباب تتعلق بمن يدير الملف وممارساته، وبفعل الدعاية والتشويه القادم من النظام وأعوانه الواضحين والمستترين؛ إلا أن هناك مَن لا يزال يرى جوهر الصراع ويتمترس عند الحق السوري من أهل القضية، وهناك مَن يساندهم أو يتعاطف معهم. هناك سوريون نماذج تُحتذَى في بلاد الاغتراب واللجوء؛ وهناك من المحيط الذي انتمى إليه أهل سوريا يدرك أنه إن لم يقف إلى جانبهم سيكتوي بنيران ومظلومية إخوته؛ هناك جيل سوري جبار قادم أخذ دروسه في بلاد الحضارة، وفي معاناة الغربة، والمخيمات، والوجع.
الأهم، هناك الإرادة الموجودة في خلق جسم سوري سياسي جديد جامع يحمل جمرة الحق باستراتيجية أساسها الفهم الجوهري لطبيعة الصراع في بلدها كصراع بين الاستبداد، وإرادة الحرية؛ جسد متفهم لمصالح الدول المنخرطة في أتون هذا الصراع، جسد ينطلق من وضع سوريا وشعبها فوق كل اعتبار؛ جسد لا يحبطه ولا يلتفت لمن يقول: “وضعنا من السيء إلى الأسوأ”. أو “وضعنا وصل إلى الدرجة الأسوأ”.
لا ينقذ السوريين إلا جسد هدفه الأكبر والأوحد إنقاذ البلد ووضعه على سكة الحياة، بمشروع ثوري جامع أساسه الإيثار والعمل والعقل والمسؤولية، جسد لا تقلقه مصطلحات أو تحريف أو تزوير للحقائق لأنه يعتبر حق السوريين كالرمح وعليه الدفاع به وعنه. ليس هناك “ملف للتنازل” ليتكلف به أحد، كما يرى بعض المحبطين أو الميئسين قصدياً أو بسبب أمراض ذاتية. كُثُرٌ يتحدثون عن “التسلق والتعربش ” يعكسون ما يعتلج بداخلهم من رغبات مكبوتة؛ ولن ينفعهم التفرغ للطعن بمن يحمل جمرة مسؤولية إعادة سوريا إلى سكة الحياة. يداً بيد ستعود سوريا إلى الحياة؛ والكل مسؤول.
مِن قلب الوجع، سيكون فجر الأمل والخلاص.